الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجرة الولد إلى بلدٍ الإقامة فيه أعون له على طاعة الله وترك والديه

السؤال

أشكركم على قبول التسجيل، والله إني أحب الشبكة الإسلامية، وجميع العاملين فيها، وأحمد الله على هذا التيسير.
أنا شاب عمري 25 سنة، ولديّ والدان، وأريد أن أهاجر في سبيل الله إلى بلد آخر؛ لأن بلدي فيه بدع، فأريد أن أجد بيئة صالحة لأعبد الله، وأترك البدع، فهل يجوز لي أن أترك والديّ؟ وما نصيحتكم؟ مع العلم أني غير متزوج، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تريد الانتقال إلى بلد آخر، الإقامة فيه أعون لك على طاعة الله، ولم يكن في ذلك ضرر على والديك، ولا يتأذيان بسفرك، فهذا جائز، قال الكاساني -رحمه الله-: وَكُلُّ سَفَرٍ لَا يَشْتَدُّ فيه الْخَطَرُ، يَحِلُّ له أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، إذ لم يُضَيِّعْهُمَا؛ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ.

أمّا إذا كان في سفرك تضييع لوالديك، أو كانا يتألمان بسفرك، فلا يجوز لك فراقهما، وعليك أن تجتهد في طاعة الله، والبعد عن مواطن الفتن والبدع.

نصيحتنا لك أن تبقى مع والديك وتبرهما، وتحسن إليهما ابتغاء مرضاة الله، فهذا من أعظم القربات، ومن أكبر أسباب رضوان الله وتوفيقه، جاء في فتاوى ابن الصلاح -رحمه الله-: رجل لَهُ وَالِد، وَالْوَالِد غير مفتقر إِلَيْهِ فِي الْقيام بأموره من إِنْفَاق عَلَيْهِ، أَو مُبَاشرَة لخدمته، بل لَا يُمكن وَلَده من ذَلِك، فَأحب الْوَلَد الِانْقِطَاع إِلَى الله تَعَالَى، والتفرغ لعبادته فِي قَرْيَة، لعلمه أَن مقَامه فِي بَلَده لَا يسلم فِيهِ من المآثم؛ لمخالطة النَّاس، إِلَّا بمشاق يضعف عزمه عَن تجشمها، ووالده يكره مُفَارقَته، ويتألم لَهَا، مَعَ أَن لَهُ أَوْلَادًا يأنس بهم غير هَذَا الْوَلَد، فَهَل يحل لَهُ مُخَالفَة الْوَالِد، والانتقال إلى الْقرْيَة بنية طلب سَلامَة دينه، والتفرغ لِلْعِبَادَةِ أم لَا يحل مُخَالفَته فِي ذَلِك؟

لَا يحل لَهُ ذَلِك، وَمُخَالفَة الْوَالِد فِي ذَلِك مَعَ تألمه بهَا مُحرمَة، وَعَلِيهِ الطواعية لَهُ فِي الْإِقَامَة وَالْحَالة هَذِه، ثمَّ ليجاهد نَفسه فِي التصون مِمَّا يحرم دينه بِسَبَب مُخَالطَة النَّاس...

وليصحح نِيَّته فِي مواتاة وَالِده، وطاعته؛ فَإِنَّهَا من أكبر أَسبَاب السَّعَادَة فِي الدَّاريْنِ، وَثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن بر الْوَالِدين يقدم على الْجِهَاد، فَكيف لَا يقدم على مَا ذكر؟ هَذَا مَعَ أَن مَا يرجوه فِي الْقرْيَة، يَنَالهُ فِي الْبَلدة بِحَضْرَة وَالِده إِن استمسك، وَإِنَّمَا هَذَا خاطر فَاسد من عمل الشَّيْطَان، وتسويله، وَقد جَاءَ أَن أويسًا الْقَرنِي فَوت صُحْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمسير إِلَيْهِ من الْيمن بِسَبَب بره بِأُمِّهِ، وَحمد على ذَلِك. انتهى باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني