الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رجوع المُقرّ بالمعصية عن إقراره

السؤال

أنا شاب متزوج منذ سنة، وكنت أكشف عورتي أمام النساء تحرشًا بهن، وكنت أندم دائمًا ثم أعود لفعلتي، وكنت حسن الأخلاق في غير ذلك، ومواظبًا على صلاتي، ولكن ليس بما فيه الكفاية، إلى أن قبض عليّ من طرف الشرطة، وأنا اليوم أنتظر محاكمتي التي ستفضح أمري حتمًا، وعقوبتي هي السجن، خفت كثيرًا وتبت توبة -أظنها نصوحًا-، وأظن أنها بسبب الخوف الكبير تجاه الفضيحة التي ستدمر حياتي تجاه عملي وأسرتي المحافظة، فهل توبتي مقبولة؟ وهل غفر لي؟ وهل سيسترني الله بدعائي؟ وكيف أرد ما فعلت من ظلم نساء لا أعرفهن؟ وهل أنكر الجريمة يوم المحاكمة لستر نفسي؟ وهل أصارح زوجتي التي أحببت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت تبت توبة صحيحة مشتملة على الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، فتوبتك مقبولة ـ بإذن الله ـ والتائب حبيب إلى الله، يستره، ويعفو عنه، ولا تلتفت إلى الشكوك والوساوس التي تخوفك من عدم إخلاصك في التوبة، فالظاهر أن هذه الوساوس من الشيطان، فأعرض عنها، واثبت على توبتك، واجتهد في إحسان عملك، وإصلاح قلبك، واستر على نفسك، ولا تفضحها، فلا تخبر زوجتك، أو غيرها بمعصيتك؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.

قال ابن عبد البر: وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.

وإذا كنت أقررت بمعصيتك، وتريد أن ترجع عن هذا الإقرار في المحكمة، فهذا جائز، قال النووي -رحمه الله-: وَإِذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِزِنًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ سَقَطَ الْحَدُّ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَالسَّتْرِ ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْهَتْكَ قَدْ حَصَلَ، قُلْتُ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، فَهُوَ الرَّاجِحُ.

ولا يلزمك شيء بخصوص النساء اللاتي تكشفت أمامهن سوى التوبة، والاستغفار، وراجع الفتوى رقم: 201097.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني