الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال: "عليّ الطلاق لن أحكي لأحد مرة أخرى" ثم تكلم ناسيًا

السؤال

منذ شهرين حدث خلاف بيني وبين زوجتي، وارتفعت أصواتنا، وغضبت جدًّا -فتركتها وذهبت إلى الحجرة المجاورة حتى أهدأ، فجاءت وقالت لي: ادخل بيننا حكمًا؛ ليحكم أينا الخاطئ، فقلت لها: وأنا لا أدري كيف نطقتها، ولم أكن مرتبًا لها من الأساس، قلت: "عليّ الطلاق لن أحكي لأحد مرة أخرى"، أقصد من أهلها، ولم أنم بسبب هذا، فسألت شيخًا، فقال لي: عليك كفارة يمين، وهي : إطعام عشرة مساكين، ولكن ظروفي لا تسمح بذلك أبدًا، فانتظرت حتى أجمع المبلغ، ولكن الظروف لم تسمح، وذات يوم حدث بيني وبينها خلاف على أمر طالما رفضته، وتقوم بفعله مرة أخرى، وطلبت منها أن لا تفعله مرارًا وتكرارًا، ولكن دون جدوى؛ لذلك اضطررت أن أشتكي لأختها عن هذا، ولأنها لا تطيعني في هذا الأمر أبدًا -وكان لمصلحتها- فتذكرت حلفي الذي قلته: إني لن أشتكي لأهلها مرة أخرى، فقرأت القرآن؛ فعرفت أن الله يقول: إنه يمكنني صيام ثلاثة أيام إذا كنت لا أستطيع إطعام عشرة مساكين، فصمت ثلاثة أيام على الفور، ولكن قلبي غير مطمئن؛ لأنني حكيت لأختها مرة أخرى، ولكن لأنها لا تطيعيني في أمر محدد تعبت منه حقًّا، ولا بدّ من دخول الأب فيه، أو أختها الكبرى. بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقولك: "عليّ الطلاق لن أحكي لأحد مرة أخرى" ونويت بذلك أحدًا من أهلها، ذلك اللفظ تعليق للطلاق، فإن كنت تعني بقولك: "لن أحكي لأحد"، أي: لن تُدخِلَ أحدًا من أهلها بينكما، ولن تشكوها؛ فإن زوجتك قد طلقت منك بشكواك لأختها؛ لأنك فعلت ما عَلَّقْتَ الطلاق عليه، هذا هو المفتى به عندنا، وهو قول أكثر أهل العلم، حيث يرون أنّ من حلف بالطلاق، وحنث في يمينه، وقع طلاقه سواء قصد إيقاع الطلاق، أم قصد مجرد التهديد، أم التأكيد، فإن كانت هذه الطلقةُ طلقةً أولى، أو ثانية، فلك أن ترجعها ما دامت في العدة، وإن كانت طلقةً ثالثة، فقد بانت منك بينونة كبرى، ولا يمكنك إرجاعها حتى تنكح زوجًا غيرك.

وبعض أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يجعل الحالف بالطلاق للتهديد، أو التأكيد، كالحالف بالله، فإذا حنث في يمينه، لزمته كفارة يمين، ولم يلزمه طلاق، والمفتى به عندنا هو قول الجمهور.

وإذا كنت شكوت إلى أختها ناسيًا حلفك بالطلاق، فإن أهل العلم اختلفوا في وقوع الطلاق حينئذ، فجمهور أهل العلم يرون أن من علّق طلاقه على فعل، وفعله ناسيًا، طلقت زوجته، وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 319771، ومن أهل العلم من لا يرى وقوع الطلاق بسبب النسيان، وهذا هو المفتى به عندنا، كما في الفتوى رقم: 137567، والأخذ بقول الجمهور أحوط.

وقولك: " فقرأت القرآن؛ فعرفت أن الله يقول: إنه يمكنني صيام ثلاثة أيام إذا كنت لا أستطيع إطعام عشرة مساكين" صحيح، فمن عجز عن الإطعام، والكسوة، والعتق في كفارة اليمين، فإنه ينتقل إلى الصيام، ولكن ينبغي أن تعلم أنه ليس للعامي أن يأخذ الحكم من القرآن، ما دام أنه ليس عنده من العلم ما يمكنه من ذلك، فربما أخطأ العامي في فهم الآية والمراد منها، وربما كانت الآية الكريمة مخصصة بآية أخرى، أو منسوخة، أو غير ذلك.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني