الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من طلب من آخر مساعدة فأرسل له مبلغًا دون اشتراط ثم ادّعى أنه دَين

السؤال

طلبت من أخي في الماضي دعمًا ماديًّا لسوء الأحوال، فأرسل لي مالًا، ولم أكن أعلم أنه دَين، ولم أستفسر منه عن ماهيته، وهل هو دين؟ ظنًّا مني أنه مساعدة، ولم يخطر لي قط أنه سيرد، وبعدها بفترة توقف الدعم لتحسن الأحوال، وحدثت خلافات، فصرح في رسالة أنه يريد ماله، وبسبب الخلافات لم أستفسر عن المال المذكور في الرسالة، وبعد موته ـ رحمه الله ـ صرحت زوجته وبناته بأن لهن عليّ بعض الدَّين من قبل أبيهن، وهو المال المرسل لي مساعدة، مع العلم أنني لا أعلم بموضوع الدَّين، ولا يوجد بيننا أي إثباتات؛ لأنه لم يصارحني إلا في الرسالة التي لم أراجعه فيها، وسألت زوجته عن سبب عدم ذكره للمال في حياته، فقالت: إنه تردد في إخباري مرات كثيرة بداعي الحياء، وسألتها عن سبب عدم وجود أي ورق مكتوب، أو إثباتات، فأجابت بأنه لم يكن ليكتب على أخيه ورقًا، واعتبره مناف للمروءة، وصرحت بحوالي 10000 دينار في هذه السنة ٢٠١٦، مع أن مجموع المساعدات التي قدمها لي لا تتعدى 1500دينار في الفترة ما بين 1984إلى1988, وكان ـ رحمه الله ـ قد صرح في غير موضع بخلاف موضوع الدَّين في قضايا أخرى، وأنه يتعامل مع المال بمبدأ التضخم، بمعنى أن الشيء إذا كانت قيمته في سنة ١٩٩٠ تساوي 1000 دينار فإنه يساوي 10000 دينار في سنة ٢٠١٦، فهل له حق في هذا المال؟ وإذا كان له حق، فهل يكون الحل مثلًا بحساب قيمة 1500 دينار في سنة ١٩٨٤ إلى 1988 بما يعادلها من وزن الذهب الخالص بمعدل أقل قيمة سنويًّا لكل سنة على حدة، وأوفيه المبلغ كاملًا بما يعادل قيمة وزن الذهب الخالص في هذه السنة ٢٠١٦؟ وهل دَينه يدخل في الميراث؛ لأن عنده زوجة وأربع بنات فقط، وليس عنده أولاد من الذكور؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي هذا السؤال ثلاث مسائل:

الأولى: مسألة الخلاف بين السائل وأخيه في هذا المبلغ، أكان هبة محضة، فلا يجب رده، أم كان قرضًا، أو هبة ثواب فيكون لصاحبه، ثم لورثته الحق في المطالبة به، والأصل في هذا أنه إذا حصل خلاف بين الآخذ للمال وبين معطيه، فالقول قول المعطي، إلا في بعض الصور، قال الرافعي في الشرح الكبير: مهما اختلف القابض والدافع في الجهة، فالقولُ قولُ الدَّافِع، ألا ترى أنه لو دفع إليه دَرَاهِم، وقال: دفعتها عن الدَّيْنِ الذي به الرهن، وأنكر القابض، أو دفع إلى زوجته دراهم، وقال: دفعتها عن الصَّدَاق، وقالت: بل هي هدية، فالقول قولُ الدَّافِع. اهـ.

وذكر الزركشي هذه القاعدة في القواعد الفقهية بلفظ: إذا اختلف القابض والدافع في الجهة، فالقول قول الدافع، ثم قال: ويستثنى من هذه القاعدة صور.. ومنها: إذا سأله سائل، وقال: إني فقير، فأعطاه شيئًا ثم ادعى بعد أنه دفعه قرضًا، وأنكر الفقير، فالقول قول الفقير؛ لأن الظاهر معه، بخلاف ما إذا لم يقل: إني فقير، فالقول قول الدافع، قاله القاضي الحسين. اهـ.

وذكر السيوطي ذلك أيضًا في الأشباه والنظائر، لكن بما أن المسألة فيها دعاوى وخصام، فالخصومة في الحقوق يرد الفصل فيها للقضاء الشرعي، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 76802، ورقم: 43773.

والمسألة الثانية: أنه في حال ثبوت دَين في الذمة، فإنه يقضى بمثله، لا بقيمته، ولا يصح ربطه بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخم، أو بسعر الذهب والفضة، أو بعملة أخرى، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 31724، 99163، 114210.

والمسألة الثالثة: أن جميع الديون الثابتة للمتوفى عند الناس، تدخل ضمن تركته، وتقسم على كل ورثته الشرعيين بحسب أنصبتهم، ولا تقتصر على زوجته، وبناته فقط، دون بقية الروثة الآخرين- إن كانوا موجودين-، وانظر للفائدة الفتويين رقم: 223606.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني