الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يشترط لصحة شراء الذهب التقابض حقيقة وحكما

السؤال

أرجو المعذرة، لطول السؤال، ولكني أريد أن أشرح جميع الظروف والملابسات؛ حتى يتسنى لكم رؤية الصورة كاملة.
أعيش في الولايات المتحدة منذ فترة، ولم أنتقل للعيش هنا إلا بعد ما ضاقت بي الحال في بلاد المسلمين، وبعد ما استخرت الله.
أنا مهندس، ولكن لي قراءات في علم الاقتصاد، وكيف يعمل النظام المالي العالمي الحالي.
وبعد ما استخرت الله، قررت أن أحول جزءا من مدخراتي للذهب، تفاديا لما يمكن أن يحدث إذا انهار هذا النظام المالي الربوي جزئيا، كما حدث من قبل، أو كليا كما يتوقع كثير من علماء الاقتصاد.
فكما ينصح الكثير من علماء الاقتصاد المسلمين، وغير المسلمين بتحويل جزء من المدخرات إلى ذهب. فقد قررت كلما ادخرت مبلغا معيَّنا من المال، أن أشتري بجزء منه سبائك من الذهب، مع الأخذ في الاعتبار أن سبائك الذهب هنا تعتبر مشغولة على أشكال كثيرة، وتباع بسعر الذهب العالمي، مع إضافة مصنعية، أو عمولة كما يسمونها، ومنها ذهب خالص عيار 24، ومنها ذهب غير خالص عيار 21، وقد اخترت الذهب؛ لاقتناعي بأن الذهب والفضة من الوسائل التي حددتها الشريعة للثمن أو الصرف، وأيضا فأنا لا أملك من المدخرات ما يمكنني من شراء عقارات، أو أراضي مثلا.
هنا في أميركا توجد وسيلتان لشراء الذهب. من بعض المحلات التي تتاجر في سبائك الذهب، أو من الإنترنت. وللأسف الغش في الذهب منتشر هنا بشكل يفوق الوصف، ويصعب كشفه حتى عن طريق المتخصصين، حيث إن الذهب هنا غير معتمد من الدولة (لا توجد أختام) وبعد بحث مضنٍ، وجدت أن شراء الذهب من المحلات، يحتوي على مخاطرة كبيرة، والأفضل أن يتم شراء الذهب من موزع معتمد لشركات إنتاج الذهب العالمية، وبهذا تتفادى الوقوع في الغش.
وهذه هي طريقة شراء الذهب الثانية: من الإنترنت عن طريق موزع معتمد، مع الأخذ في الاعتبار أن الشراء من موزع معتمد، أغلى من الشراء عن طريق المحلات، حيث إن المصنعية أو العمولة تكون أكثر، ولكن هي طريقة أضمن لتفادي الغش، وفعلا استخرت الله، واشتريت من أحد الموزعين المعتمدين ذوي السمعة الطيبة في الولايات المتحدة، وبعدها قال لي أحد الإخوة إن هذه المعاملة حرام؛ لعدم توفر شرط القبض.
فقرأت الكثير عن أحكام الذهب والفضة، وشروط القبض، وكيف أن العلماء اختلفوا في شروط القبض الحكمي والفعلي، وأن منهم من احتكم للعرف في القبض، وأن منهم من اعتبر بوالص الشحن تدخل في نطاق القبض الحكمي، ومنهم من لم يأخذ بذلك. ومنهم من اعتبر الذهب المشغول “الحلي" سلعة لا تأخذ أحكام الثمنية كشيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وبعض الحنابلة، على عكس الجمهور.
وأيضا قرأت أن من العلماء من لم يعتبر النقود الورقية بشكلها الحالي تقوم مقام الذهب والفضة، وإن كان رأيا ضعيفا، علما بأنه تم فك ارتباط الدولار بالذهب في السبعينات.
وهنا أريد أن أوضح كيف تتم المعاملة:
- المشتري يختار السلعة (السبيكة) من الموقع، ويتم تحديد السعر لحظيا حسب سعر الذهب العالمي، بعد إضافة المصنعية أو العمولة.
- ينبغي على المشتري تحويل المبلغ بتحويل بنكي، أو ببطاقة الخصم.
- بعد الدفع مباشرة، وبعد التأكد من تمام عملية تحويل المال، تبدأ إجراءات شحن الذهب، وهي تأخذ 24 ساعة تقريبا أو أقل.
- يتم الشحن عن طريق شركة شحن معتمدة، ويتم إرسال رقم بوليصة الشحن للمشتري، فيمكن متابعة الشحنة على مدار الساعة.
- يتم تسجيل هذه العملية بالفيديو لتجنب حدوث أي أخطاء، وحتى إذا طلب المشتري دليلا على أن ما اشتراه هو ما تم شحنه.
- تأخذ الشحنة حوالي 3 أيام للوصول لمنزل المشتري، ولا يتم تسليمها إلا بعد أخذ توقيع المشتري، أو من ينوب عنه.
- بعد توصيل الشحنة، يتلقى المشتري اتصالا من البائع للتأكد من عملية التسليم، وأن كل شيء على ما يرام.
- من شروط العقد أنه إذا حدث أي خطأ في التسليم، أو إذا تلفت الشحنة أثناء الشحن، أو أي شيء يعيق المشتري عن تسلم ما اشتراه، تقع المسؤولية على البائع كاملة، ويكون على البائع إما رد مبلغ الشراء كاملا، أو شحن البضاعة مرة أخرى كما هي بدون زيادة أو نقص.
مما سبق أميل إلى أن المعاملة بين البائع والمشتري لا تتم إلا إذا تم التأكد من القبض بالنسبة للطرفين، وأن مجلس العقد هنا تخيلي افتراضي، لا ينتهي إلا بالقبض الفعلي، وتعتبر المعاملة تامة فقط إذا أبلغ المشتري البائع أن كل شيء على ما يرام.
فهل تعتبر هذه المعاملة حلالا أم من ربا النسيئة؟
علما بأن هذه الطريقة هي الطريقة الآمنة الوحيدة لشراء سبائك الذهب "المصوغة" وأنا قلبي مطمئن إلى أن المعاملة بهذه الصورة تضمن حفظ الحقوق، ويتحقق فيها القبض الحكمي، ولا تعتبر المعاملة تامة حتى يتم القبض الفعلي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمعاملة المذكورة، اختل فيها شرط التقابض حقيقة وحكما، وبالتالي فلا يجوز ذلك. والبدائل المشروعة كثيرة، وكونك لا تطمئن إلى الشراء إلا عن طريق تلك الشركات، فهذا ليس عذرا يبيح ارتكاب العقود الفاسدة. وقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نساء فلا يصلح. ورواه مسلم بلفظ: «مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا». والنساء والنسيئة واحد، وهو التأخير.

وشراء الذهب بالعملات المتعامل بها، يعتبر صرفا لما عليه جماهير أهل العلم المعاصرين، وهو المقرر في مجامع الفقه الإسلامية، أن الأوراق المالية المتداولة بين الناس الآن ملحقة بالنقدين: الذهب والفضة من حيث الأحكام الشرعية سواء بسواء، فتجب فيها الزكاة، ويحرم فيها ربا النَّساء مطلقاً، وربا الفضل في العملة الواحدة.

ومما جاء في قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية: إن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته. انتهى.
وبالتالي، فليس لك شراء تلك السبائك بالطريقة المذكورة. والبدائل المشروعة كثيرة لمن تحراها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. رواه البخاري ومسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني