الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العشق بين الشرك والمعصية

السؤال

ذكر ابن القيم علاماته تحت مسمى العشق الشركي الكفري فقال: أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على ربه، وإذا تعارض عنده حق المعشوق وحظه وحق ربه وطاعته، قدم حق معشوقه على حق ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل له أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل من معشوقه من ساعاته، فهل يعني أن طاعة المخلوق في المعصية تصبح شركاً وقد قرأت في أحد المنتديات أن المقصود بكلام ابن القيم: وأما تقديم محبة أحد من الخلق وإيثارها حتى يعصي الله بسبب تلك المحبة فهو ضلال وفسق وعصيان، وقد يكون شركاً في حالين:
‎الأولى: أن يتبع ذلك المحبوب ويعصي الله لأجله في ارتكاب معصية مما ينقض الإسلام كأن يجيبه إلى النذر لغير الله أو غير ذلك مما يخرج به من الملة.
‎الثانية: أن تكون محبة هذا المخلوق هي المقدمة لديه على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيطيعه طاعة مطلقة ويتابعه متابعة مطلقة بحيث لو أمره بالكفر لفعله، فهذه المحبة شرك أكبر مخرجة عن الملة ـ والعياذ بالله ـ ‎لأنه بهذه المحبة جعله نداً لله، كما قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ـ أما إذا كانت محبة الله هي الأصل وهي المقدمة لديه بحيث لو أمره ذلك المحبوب بالكفر لم يفعله، فإن طاعته له فيما سوى ذلك عصيان وفسق وليست شركاً أكبر، لأنه لم يجعله نداً، فهل هذا مقصد ابن القيم أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذا المعنى هو المراد، ولا يعتبر مجرد المعصية واتباع الهوى شركا بالله تعالى إلا إذا أفضى به ذلك إلى صرف العبادة لغير الله، فمن اتبع هواه أو أطاع معشوقا في الشرك صار مشركا بذلك، وأما مجرد اتباع الهوى وطاعة المعشوق في فعل المعصية، فلا يعد شركا، فقد قال الشيخ صالح آل الشيخ: ليس كل طاعة للهوى شركًا أكبر، أو شركًا أصغر، قد تكون طاعة الهوى معصية فقط ... أنواع المعصية من طاعة الهوى، ولكن لا تسمى شركًا. اهـ.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه الداء والدواء في فصل العشق الإشراكي: وهو ـ أي العشق ـ تارة يكون كفراً، كمن اتخذ معشوقه نداً، يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري: أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحظه وحق ربه وطاعته، قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل له أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 150461.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني