الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المسابقات بعوض إن كان الباذل غير المتسابقين

السؤال

أعلم تحريم اللَّعب على عوض، إلَّا في المنصوص عليه في الحديث من النَّصل، والخفِّ، والحافر، ولكنِّني رأيت في فتواكم رقم:63900 القول بجواز أخذ العوض إذا كان من الدولة، أو من النَّادي؛ وبذلك اختلط عليّ الأمر، فأرجو توضيح حكم أخذ العوض في غير المنصوص عليه، وبيان أقوال العلماء في ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن جمهور العلماء على أن المسابقات بعوض لا تجوز ـ ولو كان الباذل للعوض طرفًا آخر غير المتسابقين ـ إلا فيما ورد به النص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبَق إلا في نصل، أو خف، أو حافر. أخرجه أبو داود، وابن حبان في صحيحه.

أو ما في معناه، قال ابن قدامة: وأما المسابقة بعوض، فلا تجوز إلا بين الخيل، والإبل، والرمي، وبهذا قال: الزهري، ومالك، وقال أهل العراق: يجوز ذلك في المسابقة على الأقدام، والمصارعة؛ لورود الأثر بهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة، وصارع ركانة ـ ولأصحاب الشافعي وجهان، كالمذهبين، ولهم في المسابقة في الطيور، والسفن وجهان؛ بناء على الوجهين في المسابقة على الأقدام، والمصارعة، ولنا ما روى أبو هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر ـ رواه أبو داود، فنفى السبق في غير هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي الجعل، أي: لا يجوز الجعل إلا في هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي المسابقة بعوض، فإنه يتعين حمل الخبر على أحد الأمرين؛ للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في هذه الثلاثة.

وعلى كل تقدير؛ فالحديث حجة لنا، ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد، كالحاجة إليها، فلم تجز المسابقة عليها بعوض، كالرمي بالحجارة، ورفعها. اهـ.

وراجع للمزيد الفتوى رقم: 35555.

وأما القول بجواز المسابقات بعوض في غير ما ورد في النص، أو ما في معناه، إذا كان الباذل غير المتسابقين، ولم يترتب على المسابقة محظور، فقد صرح به بعض المعاصرين، قال ابن عثيمين: أما إذا جاء إنسان من خارج، وأراد أن يتبرع بشيء للسابق منهم، فأرجو ألا يكون فيه بأس. اهـ.

وقال أيضًا: أما لو أن شخصًا من الناس أخرج جائزة للفائز في السباق، فهذا لا بأس به؛ لأنه هنا لا ضرر على المتسابقين، إما أن يسلموا، وإما أن يغنموا، وليس فيه مقامرة، لكن هل نقول للرجل الذي أخرج الجائزة: إن إخراجك الجائزة حرام أو حلال؟ هنا ينظر ماذا يترتب على هذه المسابقة، إن لم يترتب عليها محظور، فبذل المكافأة جائز، وإن ترتب عليها محظور، فبذل المكافأة عليها حرام. اهـ.

وفي كلام بعض فقهاء المذاهب ما قد يفهم منه عدم تحريم المسابقات بعوض في غير ما ورد في النص، إذا كان الباذل غير المتسابقين، جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: وقد حكى الزناتي قولين بالكراهة، والحرمة فيمن تطوع بإخراج شيء للمتصارعين، أو المتسابقين على أرجلهما، أو على حماريهما، أو غير ذلك مما لم يرد فيه نص السنة. اهـ.

وهذا النص محتمل أن يكون المراد به المسابقات التي في معنى المنصوص، ويحتمل أن يكون المراد به عموم المسابقات المباحة، وقد فهم بعض الباحثين أن المراد به المسابقات المباحة عمومًا، وليس خصوص المسابقات التي في معنى المنصوص، قال الدكتور خالد المصلح في أطروحته: الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي ـ : المسابقة في مباحات ليست في معنى ما ورد به النص:

اختلف أهل العلم في بذل العوض في هذا النوع من المسابقات على قولين:

القول الأول: لا يجوز بذل العوض في هذا النوع من المسابقات مطلقًا، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية.

القول الثاني: يجوز بذل العوض في هذا النوع من المسابقات إذا كان العوض من أجنبي. وحكى هذا قولًا عند المالكية. اهـ.

وذكر نص الدسوقي الذي نقلناه آنفًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني