الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إتلاف ملابس الميت والاحتفاظ بشيء وجد داخلها للذكرى

السؤال

بعد أن توفي جدي بفترة من الزمن، وبعد أن توفيت الجدة أيضًا –زوجته-، أراد الأولاد أن يتخلصوا من ملابس الأب ـ بأن يعطوها للفقراء، أو يحرقوها، فأرادت واحدة من بنات الرجل الميت أن تأخذ شيئًا من الملابس لزوجها، وصارت تبحث في بدلة أو جاكيت من الملابس لترى هل فيه أغراض أو شيء مثلًا، فوجدت قطعة ذهب لم يكونوا على علم بها، وقد حصل عليها الأب قبل أن يموت كجائزة تخرج، أو نحو ذلك، فخافت أن يقوم إخوانها ببيعها، وأرادت أن تحتفظ بها كذكرى من أبيها مثلًا، ولم تخبر أحدًا من إخوانها بهذا الأمر إلا واحدة من أخواتها بنية أنها تريد الاحتفاظ بهذه الذكرى، أو جائزة التخرج، وربما لا تريدَ بيعها، والتفريط فيها، فما الحكم في ذلك؟ وماذا عليها أن تفعل الآن؟ وهل تلك القطعة من الذهب تعتبر من تركة الأب، وينبغي تقسيمها على الأولاد، ويجب الآن بيعها، وتوزيع قيمتها على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى إخوان الجد، وإخوان زوجته؟ وهناك واحدة من البنات غير التي أخذت تلك القطعة قد ماتت؟ وما الحكم لو أرادت هذه المرأة أن تحتفظ بالقطعة كذكرى، ولا تريد التفريط فيها، وتوزع على إخوانها القيمة، أو المبلغ الذي من حقهم أن يأخذوه إن كانت هذه القطعة من الميراث؟ وهي تخاف إذا صارحت الآن إخوانها بالموضوع، أن يشكوا فيها، أو يسيؤوا الظن بأنها ربما أخذت أشياء أخرى وأخفتها، فماذا تفعل؟ مع أن بعضًا من إخوانها وأخواتها قد سامحوها، وماذا عن زوجة الجد التي ماتت بعده، وأخوها مات أيضًا الذي كان ربما سيزداد ميراثه من أخته لو لم يحصل ذلك الخطأ؟ وما العمل الآن؟ وهل ملابس ذلك الجد هي من تركته، ولم يكن ينبغي التخلص منها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فملابس الميت تعتبر من جملة التركة التي تقسم بين الورثة، فإن شاؤوا اقتسموها بينهم، وإن شاؤوا تصدقوا بها عن الميت، ولا يجوز لأحد التصرف فيها دون رضى بقية الورثة، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب، وفرش، وكتب، وأدوات كتابة، وماصة، وكرسي، كل شيء حتى شماغه، وغترته التي عليه تنتقل إلى الورثة، وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم، فلو قالوا -أي: الورثة- وهم راشدون: ثياب الميت لواحد منهم، ولبسها، فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها، فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يبيعوها، فلا بأس، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم... اهـ.

ولا شك أن الصدقة بها عن الميت أولى من الاحتفاظ بها لمجرد الذكرى؛ لأن التصدق بها عنه يصله ثوابها، بخلاف الاحتفاظ بها.

وأما إتلافها: فإتلاف ثياب الميت برميها، ونحوه، مع إمكانية الانتفاع بها، أو التصدق بها يعتبر إضاعةً للمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. متفق عليه.

وتلك القطعة الذهبية تعتبر أيضًا من جملة التركة التي تقسم على جميع الورثة القسمة الشرعية، فالواجب على تلك البنت إخبار الورثة بها، وليس ما ذُكِرَ من خوفها أن يَشُكُّوا فيها مبررًا لأن تكتمها عنهم، بل الواجب إخبارهم.

وإن أرادت أن تحتفظ بها لنفسها، فلتُخْبِرِ الورثة أولًا بها، ثم تشتري منهم نصيبهم فيها، فتُقَوَّمُ تلك القطعة الذهبية وقت الشراء، وتدفع للورثة نصيبهم منها، ومن جملة الورثة الذين لهم نصيب فيها زوجة الجد التي توفيت بعده، وكذا البنت التي توفيت بعده، ونصيب كل واحدة منهما في تلك القطعة يُقسَمُ بين ورثتها، ولا يسقط حقها في القطعة بالموت، ومن تنازل عن حقه وهو بالغ رشيد، فله ذلك، سواء من ورثة الجد، أم من ورثة زوجته، أم من ورثة ابنته، ومن تنازل عن حقه وهو ليس بالغًا، أو ليس رشيدًا، فلا عبرة بتنازله، ويدفع له حقه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني