الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من الكفار من يحب الخير للمسلمين؟

السؤال

هناك سؤالٌ دائمًا يشغلني، وهو: هل كلُّ الكافرين يبغضون المسلمين، ويتمنُّون لنا الشرّ، وأن نصبح كافرين مثلهم؟
ففي قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتَّى يردُّوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وقوله -سبحانه-: (ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) هل يظهر منه ذلك؟ وهل يعني أنَّهم جميعًا مشتركون في ذلك، أم إنَّ من الممكن أن يكون منهم من يرجون الخير لنا، ويحبُّوننا فعلًا في الظَّاهر والباطن؟ وفي قوله تعالى: (ولتجدنَّ أقربهم مودَّةً للذين آمنوا الَّذين قالوا إنَّا نصارى)، يقول الإمام ابن كثير: أنَّ النَّصارى فيهم مودَّة في الجملة للمسلمين، وقد قرأت أكثر من تفسيرٍ لهذه الآية، وفهمت مقصدها، ولكنَّ تفسير ابن كثير لها أوجد عندي إشكالًا لا أفهمه.
فأرجو بيان المسألة وتوضيحها، وبيان هل كلُّ الكافرين صفًّا واحدًا، يبغضون المسلمين، ويتمنُّون أن يكونوا معهم في الكفر، أم من الممكن أن يكون منهم من يحبُّون المسلمين فعلًا، ويرجون لهم الخير؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل في الكفار هو معاداة المسلمين وبغضهم، وإرادة الشر بهم، ولكن لا يمتنع وجود بعض الكفار الذين يحبون الخير لبعض المسلمين؛ لقرابة، أو لمحبة طبعية، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد كان أبو طالب مع شركه، يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويدفع عنه، وكان العباس كذلك قبل أن يسلم، وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم، فدلت هذه الوقائع وغيرها كثير، على عدم امتناع محبة بعض الكفار لبعض المسلمين وإرادتهم الخير لهم، ويرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة:109}.

قال الشيخ أبو زهرة في تفسيرها: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ): ود هنا معناها تمنى، فإنها تستعمل بمعنى أحب، وبمعنى تمنى، وحيث كانت لو وما بعدها موضع الطلب، كانت بمعنى تمنى؛ فإن أمنية أهل الكتاب (وكذلك المشركون) أن يختفي هذا الدين، ولا يكون إلا الوثنية، وخصوصا الوثنيين الذين بقوا على وثنيتهم من الأوس والخزرج؛ لكيلا يكون محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، مسيطرين على المدينة. ويلاحظ أمران:

أولهما: أن القرآن الكريم الذي أنزله العادل الحكيم، لم يذكر أهل الكتاب جميعا، بل ذكر الكثير منهم فقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ لأن بعضهم يرجى إيمانه، ويسير في طريق الإيمان، ومن سار في طريق الإيمان لا يرجو زواله، ومن يريد الهداية لَا يود زوالها. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني