الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفر الأكبر والكفر الأصغر.. بيان وإيضاح

السؤال

في الآيات والأحاديث التي ذكر فيها من فعل أشياء فقد كفر، أو أشرك، كترك الصلاة والطيرة.
أليس من تمييع الدين، أن نقول هذا شرك أصغر لا يكفر صاحبه، وهذا أكبر يكفر، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يذكر لا أصغر ولا أكبر، بل قال شرك أو كفر. حيث حينما أقول ﻷحدهم إن هذا الفعل شرك، يقول لي يعني أكفر بفعله، فأجيب: لا، بل كفر دون كفر ... فأصبحت كلمة شرك أصغر تعني عند الناس أنها صغيرة، وليس لها وقع كبير في نفوسهم.
حتى في الأمور الفقهية المختلف عليها مثلا كتارك الصلاة، منهم من يكفره، ويحرم الصلاة عليه، ويدفن في الصحراء، ومنهم يقول إنه فاسق، ويغسل ويكفن، يعني ليست اختلافات ووجهات نظر قريبة. وحينما أتبنى مثلا قول الحنابلة في تارك الصلاة، وأخبر أهلي به، وأنه يكفر يقتنعون. فإذا مثلا ذهبنا ﻷقربائي، وهم من المتساهلين في كل شيء، يقولون لهم إنه ليس بكافر، بل إنه فاسق، حيث هناك بون شاسع بين الكلمتين.
ما الذي يجب أن أفعله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فههنا أمور لا بد من بيانها.

أولا: تقسيم الكفر إلى أكبر وأصغر، إنما هو متلقى عن الشارع، وقد بوب البخاري في صحيحه: باب كفران العشير، وكفر دون كفر.

ودلائل هذه المسألة كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها.

ثانيا: مرد الحكم على الفعل المعين بأنه كفر أكبر أو أصغر، إنما يتلقى من الأدلة والنصوص، وليس هو موكولا إلى اختيار الناس وتشهيهم، فما قامت الأدلة على أنه كفر ناقل عن الملة، فهو كذلك، وما قامت الأدلة على أنه كفر دون كفر، فهو كذلك، وما اختلف فيه، فمن ترجح له أحد القولين قال به، ومن كان عاميا، فإنه يقلد من يثق بعلمه وورعه من أهل العلم، شأن جميع المسائل المختلف فيها، وانظر الفتوى رقم: 169801.

ثالثا: ليس لأحد أن يتهم من يقول بقول معتبر في الشريعة -كالقول بأن تارك الصلاة يكفر كفرا دون كفر- بأنه مميع أو نحو ذلك من الأوصاف، كما أنه ليس لمن يرى هذا الرأي، أن يرمي من يرى كفر تارك الصلاة كفرا أكبر، بأنه متشدد أو غال أو غير ذلك، بل هذه المسائل مما الخلاف فيها سائغ بين أهل العلم من قديم، والتعامل معها يجب أن يظل في هذا الإطار.

رابعا: ليس معنى كون ترك الصلاة كفرا دون كفر عند من يقول بهذا، أنه أمر هين، حاشا وكلا، بل القدر المجمع عليه بين أهل العلم، أن ترك الصلاة الواحدة أعظم من الزنى والسرقة، وشرب الخمر وقتل النفس، وما وصفه الشارع بأنه كفر، وإن كان دون كفر، فهو أكبر حتى من كبائر الذنوب، وراجع الفتوى رقم: 130853.

خامسا: في الطيرة تفصيل، فمنها ما هو كفر أكبر، وذلك إذا اعتقد أن الشيء المتطير به ينفع ويضر بذاته، ومنها ما هو كفر دون كفر، وهو ما إذا اعتقد أن هذا الشيء سبب للنفع والضر، وانظر الفتوى رقم: 230173.

سادسا: عند الوعظ يمكن أن تترك هذه النصوص بدون تأويل وبيان؛ لتعمل عملها في القلوب، كما هي طريقة كثير من السلف.

قال الشيخ عبد الرزاق البدر: وأيضاً لهم مقصود آخر من هذه الكلمة، وهو أن أحاديث الوعيد تترك بدون تفسير، حتى تبقى هيبتها وزجرها وردعها للعوام، وهذا ملحظ يلحظه بعض السلف في نصوص الوعيد، حتى تكون أبلغ في الزجر، وأقوى في الردع. انتهى.

سابعا: الواجب عليك مناصحة من يقصر في أحكام الشرع، ويتعدى حدود الله تعالى، وأن تخوفه عقوبة الله سبحانه، وتحذره سخطه، وتبين له أنه بمعصيته وإصراره عليها، قد يتعرض لسوء الخاتمة والعياذ بالله، واذكر النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مبينا خطورة التعرض لغضب الله تعالى، وأنه على تقدير كون الكفر المراد في النص كفرا دون كفر، فإن هذا لا يقتضي التساهل بهذا الأمر.

وأما ما تعتقده أنت، فإن كنت أهلا للترجيح، فرجح ما يبدو لك بدليله، وإلا فقلد من تثق به من العلماء؛ كما بينا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني