الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الدية والكفارة في إسقاط جنين في الشهر السادس

السؤال

بحثت في موقعكم الكريم عن فتاوى مشابهة فلم أجد ضالتي: أدرس خارج المملكة وزوجتي كانت حاملا في الشهر السادس، وتم اكتشاف عيوب خلقية في الجنين؛ حيث كانت تعاني من تشوهات في العمود الفقري، حيث تكون خارج الجسم مع شلل في الجزء السفلي، وسوائل في الرأس، وحجمه ضعف الحجم العادي، ولم يتنبأ الطاقم الطبي كثيراً بحياة الطفلة بعد الولادة، وذكروا احتمال صعوبة عملية الولادة بسبب حجم الرأس، فاجتمعنا مع الطاقم الطبي، وذكروا لنا بأن الإجهاض هو أفضل خيار نظراً لوضع الطفلة، وخوفاً على صحة الأم، وكنا نجهل الحكم الشرعي تماماً، فأجريت العملية في مركز طبي متخصص لهذا الشيء، وأنا نادم أشد الندم، ولا أدري ما الكفارة؟ حيث وجدت إجابات مختلفة في الموقع من ناحية دفع الدية أو الغرة، وكما تعلمون اختلفت وزادت في المملكة العربية السعودية.
أرجو إفادتي بالكفارة أو الدية، وفي حالة وجوب الصوم هل يصوم الوالدان أم أحدهما؟ كما أجهل أيضاً أحكام الغسل والدفن للجنين، وقد ذكر المركز بأنهم سيتولون أمور الدفن، ومن هناك لم نفعل شيئا حيال ذلك.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحكم الإجهاض في الحال المسئول عنها يختلف بحسب أثر بقاء الحمل على حياة الأم، فإن كان يشكل خطرا حقيقيا عليها، فلا حرج ـ إن شاء الله ـ في إسقاطه، وأما مجرد تشوه الجنين: فلا يبيح إسقاطه بعد نفخ الروح، طالما لا يشكل خطرا على حياة أمه، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن امرأة حامل في حملها الخامس، وهي الآن 140 يوما حامل وبعد إجراء الصور الصوتية تبين أن الطفل مشوه خلقيا، حيث إنه لا يوجد عند الطفل جمجمة، ولا يوجد أي نسيج مخ ـ عدم تشكل الجمجمة والمخ ـ الرجاء توضيح موقف الشرع من إمكانية إحداث ولادة مبكرة، حيث إنه من المستحيل إمكانية تمكن الطفل من الحياة بعد الولادة، ولا يوجد أي عمليات جراحية يمكن إجراؤها للطفل لإنقاذ حياته، مع العلم أنه إذا استمر الحمل حتى نهاية الشهر التاسع من الممكن أن تكون الولادة معسرة، واحتمال كبير الاضطرار لإجراء عمليات جراحية لاستئصال الطفل من الرحم بما في ذلك خطورة على حياة الأم؟ وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأنه إذا كان الواقع كما ذكر من أن استمرار الحمل لهذه المرأة حتى يتم وضعه يترتب عليه تهديد حياة الأم بالخطر، فإنه لا مانع من إجهاض الحمل قبل اكتماله، حماية لحياة الأم، ودفعا للضرر عنها، أما إذا كان إجهاض الحمل من أجل التشوه فقط، فإنه لا يجوز إسقاطه. اهـ.
وجاء في قرار لمجمع الفقه الإسلامي: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه، سواء كان مشوهاً أم لا، دفعاً لأعظم الضررين. اهـ.

والتفصيل السابق يحتمل أن يُنزَّل على حال السائل، فهو يقول: نظراً لوضع الطفلة وخوفاً على صحة الأم! فإن كان هذا الخوف من تهديد لحياتها في حال استمرار الحمل، لم يحرم إجهاضه، وإلا حرم، وإذا كان هذا في الشهر السادس ـ أي بعد نفخ الروح في الجنين واكتماله ـ فإنه تعد على حياة آدمية، فيجب أول ما يجب التوبة من هذا الذنب الكبير، ثم بعد ذلك النظر فيما يترتب على الإجهاض من أحكام تتعلق بالدية والكفارة، أما الدية: فقد سبق أن ذكرنا حكمها في مثل هذه الحالة في الفتوى رقم: 150549.

وراجع للفائدة عن معرفة مقدار دية الجنين الفتوى رقم: 198239.

وأما بالنسبة للكفارة: فوجوبها في إسقاط الجنين محل خلاف بين أهل العلم، وعلى القول بوجوبها ـ وهو الأحوط ـ فإنها تلزم كل من شارك في الإجهاض لتعلقها بحصول الإثم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يختلف الفقهاء في وجوب الكفارة ـ وهي العقوبة المقدرة حقا لله تعالى ـ مع الغرة، والكفارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فالحنفية والمالكية يرون أنها مندوبة وليست واجبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض إلا بالغرة، كما أن الكفارة فيها معنى العقوبة، لأنها شرعت زاجرة، وفيها معنى العبادة، لأنها تتأدى بالصوم، وقد عرف وجوبها في النفوس المطلقة، فلا يتعداها، لأن العقوبة لا يجري فيها القياس، والجنين يعتبر نفسا من وجه دون وجه لا مطلقا، ولهذا لم يجب فيه كل البدل، فكذا لا تجب فيه الكفارة، لأن الأعضاء لا كفارة فيها، وإذا تقرب بها إلى الله كان أفضل، وعلى هذا فإنها غير واجبة، ويرى الشافعية والحنابلة وجوب الكفارة مع الغرة، لأنها إنما تجب حقا لله تعالى لا لحق الآدمي، ولأنه نفس مضمونة بالدية، فوجبت فيه الكفارة، وترك ذكر الكفارة لا يمنع وجوبها، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في موضع آخر الدية، ولم يذكر الكفارة، كما نص الشافعية والحنابلة على أنه إذا اشترك أكثر من واحد في جناية الإجهاض لزم كل شريك كفارة، وهذا لأن الغاية من الكفارة الزجر، أما الغرة فواحدة لأنها للبدلية. اهـ.

وأما ما يتعلق بدفن السقط دون تغسيل أو صلاة: فهو مذهب لبعض العلماء، فيرجى ألا يكون عليكم إثم في عدم تغسيله والصلاة، ولا يلزمكم الآن شيء جراء ذلك، وانظر الفتوى رقم: 232828.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني