الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفي عن أم وزوجتين وأربعة إخوة لأم وثلاث أخوات لأب وعليه دين وله وصية

السؤال

الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
ـ للميت ورثة من الرجال:
(أخ من الأم) العدد 4
ـ للميت ورثة من النساء:
(أم )
(زوجة) العدد 2
(جدة (أم الأم))
(أخت من الأب) العدد 3
وصية تركها الميت تتعلق بتركته، وهي: لمحمد نصف الثلث، ولخالد ربع الثلث، ولزيد ثلث الثلث.
ـ معلومات عن ديون على الميت:
(ديون).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فما دامت على الميت ديون، فإنه يجب أولًا أن تسدد تلك الديون قبل إنفاذ الوصية، وقبل قسمة التركة على مستحقيها؛ لأن سداد الدَّين مقدم على الوصية، وعلى حق الورثة في المال؛ لقول الله تعالى في آيات المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:11}.

جاء في الموسوعة الفقهية: دَيْنُ الآْدَمِيِّ هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَ هَذَا الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا عَلَى الْوَرَثَةِ قَبْل تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ـ وَعَلَى ذَلِكَ الإْجْمَاعُ؛ وَذَلِكَ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، أَوْ حَتَّى تَبْرُدَ جِلْدَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ. اهـ.

وجاء فيها: وَالْفُقَهَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِمَا قَالَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الدَّيْنَ قَبْل الْوَصِيَّةِ.. اهـ.

وبعد سداد الدَّين يُنظر في موضوع الوصية.

والأشخاص الثلاثة الموصى لهم إن كانوا من جملة الورثة، فإن وصيته لهم ليست بلازمة، ولا تمضي إلا بإجازة بقية الورثة لها؛ لأن الوصية للوارث ممنوعة شرعًا، كما فصلناه في الفتويين رقم: 121878، ورقم: 170967.

وإن كان الموصى لهم ليسوا من جملة الورثة، فإن وصيته لهم وصية صحيحة، واجبة النفاذ في حدود الثلث فقط، والواقع أن هذه الوصية تفوق الثلث، وههنا واحد من احتمالين:

أولهما: أن يرد الورثةُ الوصية بما زاد على الثلث، وفي هذه الحالة يأخذ المُوصَى لهم الثلث فقط، ويتحاصون فيه؛ لأنه لا يفي بالوصية لهم، قال صاحب الروض المربع: وإن لم يف الثلث بالوصايا، ولم تجز الورثة، فالنقص على الجميع بالقسط، فيتحاصون.. اهـ.

فيقسمون الثلث بينهم على ثلاثة عشر سهمًا، لمحمد منها ستة أسهم، ولخالد منها ثلاثة أسهم، ولزيد منها أربعة أسهم، وثلثا التركة لبقية الورثة ـ وهم الأم، والزوجتان، والإخوة من الأم، والأخوات من الأب ـ ولا شيء للجدة؛ لأنها محجوبة بالأم حجب حرمان: فللأم السدس، وللزوجة الربع، وللإخوة من الأم الثلث، وللأخوات من الأب الثلثان.

والمسألة عائلة ـ والعول زيادة في السهام، ونقص في الأنصباء ـ فيقسم ثلثا التركة على مائة واثنين من الأسهم: للأم منها اثنا عشر سهمًا، وللزوجتين منها ثمانية عشر سهمًا، لكل واحدة منهما تسعة، وللإخوة من الأم منها أربعة وعشرون سهمًا، لكل واحد منهم ستة، وللأخوات من الأب منها ثمانية وأربعون سهمًا، لكل واحدة منهن ستة عشر.

وثانيهما: أن يجيز الورثة الوصية بما زاد على الثلث، وفي هذه الحال تقسم التركة على ستمائة واثني عشر سهمًا: لمحمد منها مائة وسهمان، ولخالد منها واحد وخمسون سهمًا، ولزيد منها ثمانية وستون سهمًا، ولأم الميت منها ستة وأربعون سهمًا، ولزوجتيه منها تسعة وستون سهمًا بينهما بالسوية، ولإخوته من الأم منها اثنان وتسعون سهمًا بينهم بالسوية، ولأخواته من الأب منها مائة وأربعة وثمانون سهمًا بينهن بالسوية.

وأخيرًا: ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جدًّا وشائك للغاية، ومن ثم؛ فالأحوط أن لا يُكتفى بهذا الجواب الذي ذكرناه، وأن ترفع المسألة للمحاكم الشرعية، أو يُشافه بها أحد أهل العلم حتى يتم التحقق من الورثة، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا، أو ديون، أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي -إذن- قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية -إذا كانت موجودة-، تحقيقًا لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني