الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السر في تقديم السنة على النوم في آية الكرسي

السؤال

ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ـ ذكر النوم بعد السنة ـ عام بعد خاص ـ ألا يؤدي إلى إضعاف المعنى كما هو معلوم في اللغة؟ وما هو السبب في ذلك؟.
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تكلم العلماء في وجه تقديم السنة على النوم وذكروا لذلك وجوها، قال الألوسي رحمه الله: وتقديم السنة على النوم وقياس المبالغة يقتضي التأخير مراعاة للترتيب الوجودي، فلتقدمها على النوم في الخارج قدمت عليه في اللفظ، وقيل: إنه على طريق التتميم وهو أبلغ، لما فيه من التأكيد، إذ نفي السنة يقتضي نفي النوم ضمنا، فإذا نفى ثانيا كان أبلغ... تأخير النوم رعاية للفواصل، ولا يخفى أنه من ضيق العطن، وقال بعض المحققين: هذا كله إنما يحتاج إليه إذا أخذ الأخذ بمعنى العروض والاعتراء، وأما لو أخذ بمعنى القهر والغلبة ـ كما ذكره الراغب، وغيره من أئمة اللغة ـ ومنه قوله تعالى: أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ {القمر: 42} فالترتيب على مقتضى الظاهر، إذ يكون المعنى لا تغلبه السنة، ولا النوم الذي هو أكثر غلبة منها. انتهى.

فذكر ثلاثة أوجه لتقديم السنة على القول بأن معنى لا تأخذه لا تعتريه، وأقواها عنده الأول، وأما على أن لا تأخذه بمعنى لا تغلبه وتقهره، فالأمر واضح ولا إشكال ثم، وذكر ابن عاشور وجها آخر حاصله المغايرة بين السنة والنوم، وأن نفي السنة لا يستلزم نفي النوم، فقال رحمه الله: وَنَفْيُ السِّنَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُغْنِي عَنْ نَفْيِ النَّوْمِ عَنْهُ، لِأَنَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ مَنْ لَا تَعْتَرِيهِ السِّنَةُ، فَإِذَا نَامَ نَامَ عَمِيقًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَأْخُذُهُ السِّنَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّوْمِ غَلَبَةً... وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَحْجُبُ عِلْمَهُ شَيْءٌ حَجْبًا ضَعِيفًا وَلَا طَوِيلًا وَلَا غَلَبَةً وَلَا اكْتِسَابًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تَطَلَّبَهُ الْفَخْرُ وَالْبَيْضَاوِيُّ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ السِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ مُرَاعًى فِيهِ تَرْتِيبُ الْوُجُودِ، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّوْمِ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِرَاسِ. انتهى.

فهذا الإشكال مندفع من وجوه كما رأيت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني