الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء فيمن عمل في بناء كنيسة

السؤال

اعلموا أن من المعاصي: الإعانة على المعصية، وذلك لقول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة.
فالآية دليل لتحريم مُعاونَة شَخْص لشخص في مَعصية الله، كحَمْلِ إنسانٍ ذكَرٍ أو أُنْثَى إلى محَلّ يُعبَدُ فيه غَيرُ الله، لمُشاركَة المُشْرِكينَ ومُوافقَتِهم لِعبادة ذلك الصّنم وذلك كفرٌ، أو لِمَا دون ذلك، وغَيرِ ذلك من كل ما هو معاونة في المعصية كائنةً ما كانت، كأن يأخذَ الرجلُ زَوجتَه الكِتابيّة إلى الكَنِيسةِ، أو يُعطِيَها ما تستعين به على ذلك، وهو يعلم أنها ذاهبة لفعل الكفر، أو قول الكفر؛ فإنه يخرج من الإسلام، ويجب عليه النطق بالشهادتين للتبرؤ من هذا الفعل الكفري الذي وقع فيه، وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
ويُفهم من هذه الآية أنه لا يجوز إعانة الظالم على ظلمه، ولو كان قريبًا لك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ليسَ مِنّا مَن دَعا إلى عصبيّةٍ. رواه أبو داود. ولوَصْفِه للعصَبيّة بأنّها مُنْتِنَةٌ. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: انصُرْ أخاكَ ظالمًا، أو مظلومًا. رواه البخاري والبيهقي وغيرهما. فمعنى نصره إن كان ظالما: منعُهُ عن الظلم، ونَهْيه عنه، وإن كان مظلوما، فبدَفْع الظلم عنه.
وراجعوا كتاب: إتحاف السادة المتقين ص393، حيث أجبتموني أن من يأخذ زوجته النصرانية للكنيسة ليس كافرا، وفي هذا الكتاب مذكور أنه قد كفر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسؤالك السابق كان بالرقم: 2652794، وأجبناك عنه في الفتوى رقم: 346669. ولم يتضمن جوابنا القول إن من يأخذ زوجته النصرانية للكنيسة ليس كفرا. وهذه العبارة التي ذكرناها في تلك الفتوى: "ولا نعلم أن هنالك من ذهب إلى أن الزوج إذا لبى طلبها، وسمح لها بذهابها للكنيسة، أن هذا نوع من الكفر".

ونقرر هنا الآن أن مجرد الإعانة على الكفر، لا يعتبر كفرا إن لم يصحبه رضى به، وقد نقلنا في الفتوى رقم: 219217 ما يؤكد هذا المعنى، فراجعها.

وما ذكره صاحب كتاب إتحاف السادة المتقين، اجتهاد منه، وإلا فإن الفقهاء لم يكفروا من عمل في بناء كنيسة مثلا، وإنما منعوا منه؛ لكونه إعانة على المعصية، ومنهم من أجاز للمسلم مؤاجرة نفسه على هذا العمل.

ففي الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يعمل لأهل الذمة في الكنيسة نجارا، أو بناء، أو غير ذلك؛ لأنه إعانة على المعصية، ومن خصائص دينهم الباطل، ولأنه إجارة تتضمن تعظيم دينهم وشعائرهم، وزاد المالكية بأنه يؤدب المسلم إلا أن يعتذر بجهالة. وذهب الحنفية إلى أنه لو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها، لا بأس به؛ لأنه لا معصية في عين العمل. اهـ.

ومن المقرر عند العلماء أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يجوز الحكم بخروجه منه، إلا بيقين مثله.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني