الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم العمل في الخدمات العامة في بلاد الكفر وتنظيف مرافقها من الخمر

السؤال

أريد الرد في أقرب وقت. موضوع خطير يتمحور حول أني أشعر أني فقدت الثقة بمركز الفتوى.
أنا مقيم في الخارج -مغترب- أنا من أشد المعجبين بالموقع، ولي استشارات كثيرة، متابعكم من عام 2011، وأنصح أصدقائي بالاستفسار عندكم، أنا في أمريكا، وأعتمد على نفسي في كل شيء، في ثمن كراء الشقة والغاز والكهرباء وفاتورة الهاتف والأكل والنقل يعني حاجياتي. كنت أعمل في محطة غاز عند عربي، وصار لي وساوس أنه حرام؛ لأنه يوجد الدخان وبعض الأغذية تحتوي على عنصر الجيلاتين، فاستشرتكم وقلتم حرام، فتركت العمل مع أني ليس لدي عمل آخر؛ لأني أثق فيكم، والحلال قليل؛ لأني في بلاد الغرب.
المهم غيرت العمل، وأعمل الآن في مطار عالمي، فيه من كل الجنسيات؛ عرب، أمريكان، أوروبيون. عملي في تنظيف الممر الرابط بين المطار والطائرة -الأنبوب- أنظفه، لكن بعض الأحيان المشرف يأخذنا إلى مكان في المطار نغير بلاستيك النفايات، يعني نأخذ الممتلئة نرميها ونضع واحدة جديدة، وهنا المشكلة، عندما أرمي البلاستيك، وفيها أكل و و و إلخ يعني نفايات بصفة عامة، وفيها بعض قارورات الخمر الفارغة، نرميها في الزبالة.
ملاحظة: لست وحدي حتى المشرف يعمل ذلك، وأنا وصديق عربي أيضا، هناك كثير من العرب يعملون في هذه الشركة، هناك مجموعة تعمل ظهرا، تحتوي على أمريكان وعرب ومسلمين ومكسيك، ومجموعة تعمل في الليل، ومجموعة في الصباح، أنا لا أساعد أحدا، لا في شرب خمر ولا شيء، أنا أرمي الغلاف البلاستيك، وفيه قارورات أرميها في النفايات، وأغير الغلاف عملتها ثلاث مرات، أنا كنت قادرا أن أغير العمل، وأعمل في توزيع البيتزا، لكن ما رضيت لأن البيتزا تحتوى على لحم الخنزير، اخترت هذا العمل؛ لأني أخاف الحرام؛ حتى الآن لم نأت إلى صلب الموضوع، أنا صرت أدقق في كل شيء، حتى أني أقول عمل كابتن الطائرة حرام، لأنه يحمل الشراب داخل الطائرة، رغم أن الطائرة تحتوى على عرب ومشايخ وأجانب إلخ. والتاكسي كذلك ممكن يركب شخص، ويقول لك خذني إلى هذا العنوان، وعندما تصل إلى العنوان تتفاجأ أنه ملهى ليلي.
قال لي عمي أريدك أن تستشير لي في موقع إسلام ويب في موضوع، ذهبت أستشير الفتاوى الحية، فأخذني الفضول فقلت سوف أسألهم عن عملي، وأنا متأكد أن عملي خال من الحرام، فتفاجأت بشيخ يقول لي لا يجوز، وهذا نصه: فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أنه يحرم على المسلم أن يعمل خادما عند الكافر يغسل له ثيابه، أو يكنس له داره، أو يطبخ له طعامه؛ لأن في ذلك إهانة للمسلم وإذلالا له، وتعظيما للكافر، ودليل ذلك: قوله تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. {النساء:141}.
وإذا أجر المسلم نفسه للكافر لعمل معين في الذمة، فهذا يتوقف على نوع العمل، فإن كان العمل مباحا، كخياطة ثوب، أو بناء بيت، أو حمل متاع مباح، جاز بالاتفاق لأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلالا ولا استخداما.
قال ابن قدامة: جاز بغير خلاف نعلمه، وإن كان العمل محرما، فلا يجوز بالاتفاق كرعي الخنازير، أو حمل الخمر، أو سقيها.. إلخ.
وعملك في مؤسسة التنظيف الذي قلت إنه يتحتم عليك بموجبه حمل زجاجات الكحول لغرض التنظيف يتضمن عدة محاذير شرعية منها
1. أنه يشتمل على تهيئة وتنظيف أماكن المعصية، فهو بذلك يعتبر إعانة على الإثم، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ والعدوان. {المائدة: 2}.
2. أن صاحبه لن يخلو من ملامسة الكحول، وذلك لا يجوز.
3. أنه إقرار للمنكر وعدم إنكار له، وقد نص أهل العلم على أن المسلم لا يباح له ارتياد أماكن المعاصي إلا لأجل إنكار المنكر.
هذا فضلا عن أنه لا يخلو من إذلال للنفس.
وعليه، فهذا العمل لا يجوز ويجب تركه، والتوبة إلى الله مما كان منه. والله أعلم.
كيف والمشرف بنفسه يعمل معي؟ كيف فيه إذلال للنفس وأنا اخترت هذا العمل لأني أخاف الحرام؟ لو كنت أريد لعملت عملا آخر؛ مثل توصيل البيتزا، لكن أخاف الحرام، البيتزا تحتوي على لحم خنزير، كيف فيه إذلال للنفس والعرب هنا كثير يعملون هنا، والأمريكان والمكسيك ومن كل جنسيات العالم؟ كيف يكون إذلالا والعمل عبادة؟ أنا قبلت هذا العمل لأنه على الأقل ما فيه حرام؛ أنا تركت عملي الأول بعد استشارتكم، وبحمد الله أنا أثق فيكم، ربما الشيخ قال لا يجوز لأنه لا يعلم بالتفاصيل مثل ما أكتبه الآن، أنا عملي يقتصر على تنظيف الممر، وبعض الأحيان أذهب لتبديل غلاف النفايات، وفي النفايات قارورات خمر فارغة نرميها في الزبالة، أنا والمشرف بنفسه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمحظور في إجارة المسلم عند الكافر هو ما كان فيه إذلال له وتسلط عليه، كأنواع الخدمة في بيته وحوائجه الشخصية، وضرب الشافعية لذلك مثلا بصب الماء على يديه، وتقديم نعل له، وإزالة قاذوراته. ومثل هذه الإجارة محل خلاف بين أهل العلم، وقد تقدم لنا بيان ذلك في عدة فتاوى، فراجع منها الفتويين: 247018، 79191.
وهذا لا ينطبق على العمل في الخدمات العامة، كتلك التي في المطارات ومحطات الوقود ونحو ذلك، مما يستفيد منه المسلم وغير المسلم. ومن ذلك العمل الذي ذكره السائل.
وأما بخصوص الخمر وما يتعلق بها، فلا نرى أن في هذا العمل ما يحرمه على السائل، لأن تنظيف ممر ركاب الطائرة، وتبديل غلاف النفايات، لا يقصد به أواني الخمر لا غالبًا ولا أصالةً، وإنما هو أمر قليل عارض، ولا يترتب عليه إعانة على شرب الخمر، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر. بخلاف العمل في تنظيف المطاعم التي تقدم الخمر، كما فهمنا من سؤال الفتوى التي نقلها السائل وهي برقم: 111156.
وعلى ذلك، فلا يحرم على السائل البقاء في عمله المذكور، وإن كان غيره من الأعمال – إن توفر – أولى وأفضل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني