الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين أقسام المحبوب وأقسام المحبة

السؤال

قرأت لابن القيم أن المحبوب نوعان: محبوب لنفسه، ومحبوب لغيره. وكل محبوب لغيره، لا بد أن ينتهي إلى المحبوب لنفسه. والمحبة غير ذلك تكون مع الله، والمحبة مع الله قسمان:
1-شرك: وهي أن تحب أحد المخلوقات كما تحب الله، محبة عبادة، وكمال خضوع وذل، وهي محبة أهل الشرك لما عبدوه من دون الله، كالأوثان، والقبور.
2-محبة الأمور التي زينها الله للناس، كالذهب والفضة، والنساء، وغيرها، وهذه يمكن أن تكون مباحة، ويمكن فيها التوصل لعبادة الله، ويمكن أن تكون وسيلة لمعصية الله، فهل هذا التقسيم صحيح؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فما ذكرته ونسبته إلى ابن القيم، فيه ما هو صحيح، وفيه ما هو خطأ، ولم يقله ابن القيم، وسببه الخلط وعدم التفريق بين أقسام المحبوب، وبين أقسام المحبة، فأقسام المحبوب نوعان، وأقسام المحبة أربعة.

قال ابن القيم في الجواب الكافي، في بيان أقسام المحبوب:

أقْسَامُ الْمَحْبُوبِ: وَالْمَحْبُوبُ قِسْمَانِ: مَحْبُوبٌ لِنَفْسِهِ، وَمَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ، وَالْمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ، لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَحْبُوبِ لِنَفْسِهِ ... وَكُلُّ مَا سِوَى الْمَحْبُوبِ الْحَقِّ، فَهُوَ مَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مِمَّا يُحَبُّ، فَإِنَّمَا مَحَبَّتُهُ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَمَحَبَّةِ مَلَائِكَتِهِ، وَأَنْبِيَائِهِ، وَأَوْلِيَائِهِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لِمَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّتِهِ.

وَالْمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ قِسْمَانِ أَيْضًا:

أَحَدُهُمَا: مَا يَلْتَذُّ الْمُحِبُّ بِإِدْرَاكِهِ، وَحُصُولِهِ.

وَالثَّانِي: مَا يَتَأَلَّمُ بِهِ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْمَحْبُوبِ، كَشُرْبِ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ. اهــ.

وأما أقسام المحبة، فهي أربعة، بينها بقوله: وَهَا هُنَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا، وَإِنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا:

أَحَدُهَا: مَحَبَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَكْفِي وَحْدَهَا فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَالْفَوْزِ بِثَوَابِهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَعُبَّادَ الصَّلِيبِ وَالْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ، يُحِبُّونَ اللَّهَ.

الثَّانِي: مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَتُخْرِجُهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَقْوَمُهُمْ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ، وَأَشَدُّهُمْ فِيهَا.

الثَّالِثُ: الْحُبُّ لِلَّهِ، وَفِيهِ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ مَا يُحِبُّ، وَلَا تَسْتَقِيمُ مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ إِلَّا فِيهِ، وَلَهُ.

الرَّابِعُ: الْمَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الشِّرِكِيَّةُ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مَعَ اللَّهِ، لَا لِلَّهِ، وَلَا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا فِيهِ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَذِهِ مَحَبَّةُ الْمُشْرِكِينَ.

وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ، وَهِيَ مَيْلُ الْإِنْسَانِ إِلَى مَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ، كَمَحَبَّةِ الْعَطْشَانِ لِلْمَاءِ، وَالْجَائِعِ لِلطَّعَامِ، وَمَحَبَّةِ النَّوْمِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، فَتِلْكَ لَا تُذَمُّ، إِلَّا إِذَا أَلْهَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشَغَلَتْ عَنْ مَحَبَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 9]، وَقَالَ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ النُّورِ: 37]. اهــ.

فالخطأ هو قولك: (والمحبة غير ذلك، تكون مع الله) فقد تبين لك أن هناك محبة لله، وفي الله.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني