الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دلالة نزول البلاء بالمؤمن والحكمة منه

السؤال

لدي سؤال يراودني منذ مدة. وهو أنني أحس أن الله تعالى يكرهني رغم حبي الكبير له. إحساسي هذا ناتج عن معاناة طويلة عشتها منذ ولادتي. كرهتني أمي وحملني والدي مسؤولية الأبوة. تعرضت للاغتصاب ولم أكمل تعليمي بسبب نفسيتي. لم يساعدني أحد في حياتي ولم يتقبلني أي أحد. الجميع كان يعاملني كأني بدون إحساس في المدرسة في الشارع في المنزل. كنت مضطرة أن عمل لكي أتحمل المسؤولية عن والدي. إلى أن تقدم بي العمر وأخيرا تزوجت من شخص يكبرني ب 25 سنة. ظننت أن الحياة ستعوضني عن كل ما رايته من عذاب لكن صدمت باني تزوجت لكي يزيد عذابي وأصبح لا شيء أكثر من البداية. أنا دائما كنت أحس بأني لا شيء وبأني لست مثل باقي الناس. لم يحبني أحد يوما ولم أسمع كلمة طيبة في أي يوم. لم أتلق أية معاملة حسنة في أي يوم. لم يساعدني أي شخص في حياتي كلها حتى من المشايخ ممن يدعون الإيمان ويرتلون القرآن. كل ما رأيته في حياتي هو العذاب الشديد وكل الأبواب كانت ولا زالت مغلقة إلى أن وصلت لمرحلة أصبحت أحس فيها أن الله تعالى يكرهني. فهل يمكن لله تعالى أن يكره شخصا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن البلاء الشديد ليس دليلا على كره الله لك، بل قد يكون العكس هو الصحيح، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلقى البلاء والمصائب بالصبر والتسليم، وعلم أن لله فيما يقدره ويقضيه حكمة بالغة، وأن الله إنما يقدر عليه هذا البلاء لما له في ذلك من المصلحة؛ لأن الله أرحم بالعبد من الوالدة بولدها، من تعامل مع ابتلاءات الحياة الدنيا بهذه العقلية؛ أعقبه ذلك طمأنينة وانشراح صدر، وكانت له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} . وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}. والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

فاصبري لحكم الله، ولا تظني أن الله يكرهك لما قدر عليك من البلاء؛ بل قد يكون العكس هو الصحيح كما ذكرنا، وقومي بواجب العبودية على أي حالة كنت، واجتهدي في طاعة الله والتقرب إليه بفعل الفرائض والاستكثار من النوافل، فإن السعادة الحقة إنما تنال في القرب من الله والاجتهاد في عبادته، وستجدين في أنسك بالله لذة تنسيك ما عداها من المصائب والآلام.

وأما هل يمكن أن يكره الله أحدا؟ فلا شك في أن الله يكره أعداءه ومن يكفر به ويخالف أمره، ولكننا نرجو ألا تكوني من هؤلاء الذين يكرههم الله سبحانه، بل نرجو أن يكون بلاؤك رفعة في درجاتك، وزيادة في حسناتك، وأن يعقبك الله من ذلك البلاء عقبى خير، وننصحك بالتفاؤل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يعجبه التفاؤل ويحبه، وهذا كله إذا سلمنا صحة ما ذكرته، وإلا فربما كان هذا كله ناشئا عن أوهام يلقيها الشيطان في قلبك وليس لها حقيقة في الواقع، وعليك أن تدفعي عنك هذه الأوهام بالنظر في نعم الله الجسيمة ومننه العظيمة التي تغمرك من قمة رأسك إلى أخمص قدمك، وساعتها ستشعرين أن ما أعطاك الله أكثر بكثير مما أخذ منك، وأن ما وهبك أضعاف ما سلبك، فيتبدل هذا الشعور بالتذمر والتسخط إلى شعور بالرضا والطمأنينة وانشراح الصدر، وننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا فربما كان في ذلك فائدة لك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني