الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض المرأة الخاطب ذا الخُلُق انتظارًا للأفضل

السؤال

أشكركم على هذا الموقع الذي أستفيد منه دائمًا.
أنا فتاة في العشرينات من العمر، وحاصلة على شهادة علمية عالية، وعندي المواصفات المقبولة من الجمال.
طول فترة دراستي لم يتقدم لخطبتي أحد، ولا أنكر أني كنت أردد دائمًا: أني لا أريد الارتباط بسبب صعوبة دراستي، وانشغالي الدائم بها.
عند آخر امتحان لي في الجامعة، تقدم لخطبتي شخص مواصفاته مقبولة، ولكن كان له اختلاط بعائلتي لسبب ما، وقد رفضته؛ لأني منذ أن بدأت علاقة عائلتي به وأنا لا أطيق اسمه.
أحد المقرّبات منه كانت دائمًا على اتصال دائم مع عائلتي قبل التقدم للخطبة، وقد أحسسنا في مواقف عدة بأنها شخص قد يصيب من حوله بالعين والحسد، ولكن لعدم علمي بنيتهم بالخطبة، التي تفاجأت بأنها كانت منذ 5 سنوات، لم آخذ بالًا لذلك -كأن يكون أحد أسباب تأخري هو أنه قد أصابتني نفس أو عين-.
تكررت محاولات الخطبة، ورفضت بشدة، حتى انتبهت بعد ذلك لنقطة بأنها قد تكون أصابتني بعين.
أنا ملتزمة، ومداومة على الأذكار يوميًّا، وبعد إحساسي داومت على قراءة سورة البقرة لمدة 7 أيام متتالية، وبعد يومين إحدى صديقات أمي حدثتها أن إحدى معارفها تريد أن تأتي لتراني، وشعرت في تلك اللحظة أن إحساسي في محله بأنها أصابتني بعين ونفس.
جاءت السيدة ورأتني، وقد أعجبت بي كثيرًا، ولكن مواصفات ابنها ليست كما أريد إطلاقًا، وهذا الأمر الذي يجعلني أفكّر كثيرًا بأنه قيل لي: إنه ذو خلق، ولكن ما بعد ذلك من مواصفات فهو أقل مني من جميع الجوانب علميًّا، واجتماعيًّا، ومهنيًّا، وماديًّا، ولا أشعر بأي تقارب، والسبب الذي يجعلني أتردد في حسم أمري، هو أنه ذو خلق، وهذا أهم شيء أريده، ولكني أشعر أنه قد تأتي فرصة أفضل، وخاصة أنني أدركت سبب تأخري -إن كان صائبًا-، وخاصة أنني استخرت، ولا أشعر بارتياح في نفسي، وأنا ما زلت صغيرة في العمر، ولديّ نية قوية لاستكمال دراسات عليا، ولكن خوفي من عدم تكرار الفرصة أيضًا يوترني، فهل أرفض -وهذا ما أشعر به في قلبي- أم أقبل به؛ لأنه ذو خلق؟ أعتذر لأني أطلت الحديث، لكني حقًّا في أمسّ الحاجة للحديث مع أحد أثق به، ولم أصرح بهذا الحديث لأحد ممن حولي، فلا أريد أن تصدر مني كلمة عن الشخص المتقدم لي الآن، قد يفهمها من حولي بمعنى الإساءة والتكبر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على ثقتك بنا، وكتابتك إلينا، فجزاك الله خيرًا، ونسأل المولى العلي القدير أن يوفقك إلى كل خير، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه، وترزقين منه الذرية الصالحة.

ولا يخفى عليك أن الله سبحانه بيده الخير كله، وأن علمه محيط بكل شيء، فاحرصي على دعائه، والالتجاء إليه في أمورك كلها، فهو يجيب دعاء من دعاه، ولا يخيب من علق به قلبه ورجاه، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، ونرشد على وجه أخص إلى الاستخارة، فتفوضي أمرك إلى الله؛ ليختار لك الأصلح، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 119608، والفتوى رقم: 123457.

والشرع قد أرشد إلى اختيار صاحب الدين والخلق، فهو أرجى لأن يعرف للمرأة حقها، روى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه، وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين أن رجلاً قال للحسن: قد خطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟ قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.

والأمر في الحديث المذكور ليس على سبيل الوجوب، وإنما لتأكيد استحباب قبوله، قال المناوي في فيض القدير، في بيان معنى الحديث السابق: (فزوجوه) إياها، وفي رواية: فأنكحوه أي: ندبًا مؤكدًا. اهـ.

فلا بأس بأن ترفضي الزواج منه، وتبحثي عمن اجتمع فيه مع الدين والخلق الصفات الأخرى التي تحبها المرأة عادة، ولكن نوصيك أن تستشيري في أمر الرجل المذكور الثقات من الناس الذين يعرفونه، فإن أثنوا عليه خيرًا، فاقبلي خطبته، واستخيري الله في أمره؛ ليختار لك ما هو أصلح، فقد يجعل الله لك في الزواج منه الخير الكثير.

ولا يغب عن ذهنك أن الأعمار محدودة، والعوارض كثيرة، وأنه قد تفوت بالتأخير الكثير من المصالح المحمودة.

ونود أن نعلّق على قولك: بأنها قد تكون أصابتني بعين ..." لعلك تعنين به تلك المرأة التي أشرت إليها، فإذا كان الأمر كذلك، فالأصل سلامتها من القيام بذلك؛ إذ إن الواجب إحسان الظن بالمسلم، وأنه لا يجوز أن يساء به الظن من غير بينة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... {الحجرات:12}، وإذا كانت معروفة بذلك، فلا يعني هذا أنها قد أصابتك في خاصة نفسك بذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني