الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل التقليل من لقاء بعض الأشخاص من الهجر المذموم؟

السؤال

ما حكم اجتناب الصديق الحاسد والبعد عنه، الذي يفرح بمصائبك، ويحزن لفرحك؟ مع العلم أنني طلبت منه أن يبرّك؛ لأن العين حق، وأننا يمكن أن نحسد دون قصد، فلم يرُق له الكلام، واختلف معي، وهجرنا بعضنا، فهل عليّ إثم في اجتنابه؟
وكذلك أريد السؤال عن الأقارب الذين تحس منهم أنهم يتكلمون معك لكي يتجسسوا عليك، ويعرفوا أخبارك، وليس لشخصك، ولكني لا آخذ الموضوع بهذه الطريقة؛ حتى لا يضيق صدري منهم، وكذلك أحس منهم بالحسد؛ فبعد زيارتهم أو مجيئهم إلينا يحدث لي مصائب وأمرض بعدها مباشرة، أعلم أن كل شيء مكتوب، ولكني أشعر منهم أنهم حسودون، ويقولونها في وجهي عندما يرون أي نعمة عندي، فتذهب، أو أتضايق منها بعدها، فما حكم تجنبهم بقدر الإمكان، واقتصار علاقتنا على التحدث على الهاتف، والسؤال عنهم، ومودتهم، وزيارتهم في المناسبات التي تستدعي، أو بالصدفة فقط؟ وهل عليّ إثم أيضًا في ذلك؟ فالجنة لا يدخلها قاطع رحم.
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث، إلا لوجه شرعي؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما من يبدأ بالسلام. رواه البخاري.

ولكن أهل العلم قد أباحوا الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجرّ ضررًا على المرء، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دِينه، أو مضرّة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ

ولا يعدّ من الهجر المحرم تخفيفك من اللقاء ببعض الأشخاص، إذا كنت تسلم عليهم، وتكلمهم إذا التقيت بهم، فقد جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: معنى الهجرة هو: ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما، واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه، مصارمة له، وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة، فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة، إن لم يعف الله عنهما. انتهى.

ويشرع للمسلم كتمه ما يتعلق بالأمور التي يخشى أن يحسد بسببها، أو يحصل له ضرر، فقد ذكر الله تعالى أن يعقوب أمر ابنه يوسف -عليهما السلام- بكتم رؤياه عن إخوته، فقال: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {يوسف:5}.

ومثل ذلك ما كان كتمه أدعى لقضاء الحاجة، كما يدل له الحديث: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. رواه الطبراني، وصححه الألباني.

وإن لم يخف شيئًا من ذلك، فيحسن أن يتحدث بما أنعم الله به عليه -شكرًا لله على ذلك- دون تفاخر، ولا تطاول على الناس، فقد قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11}.

وقال ابن العربي في تفسيره: إذا أصبت خيرًا، أو علمت خيرًا، فحدث به الثقة من إخوانك، على سبيل الشكر، لا الفخر والتعالي. اهـ.

هذا، ونعتذر عن إجابة السؤال الثاني؛ لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة، أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني