الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في حكم شراء الوكيل لموكله من نفسه

السؤال

شيوخنا الأفاضل: أود أن أسأل عن مشروعية الفعل التالي:
هناك شخص مسؤول عن مسجد، وهو مسؤول عن جمع التبرعات لهذا المسجد؛ لتجديده -بإذن الله تعالى- ويمكن تقدير هذا المبلغ بمائة ألف (100000) جنيه.
وهذا الشخص يمر بضائقة مادية في الوقت الحاضر، ويريد أن يقوم باستعمال هذا المال في شراء مستلزمات التجديد من رمل وحديد وغيره بالأقساط، وقد تكلف هذه المستلزمات(100000) جنيه لو دفعت نقدا، و (120000) جنيه لو دفعت بالتقسيط، وهذا الشخص يريد أن يشتري كل مستلزمات المسجد بالتقسيط، وسوف يتملك هذا الشخص هذه المستلزمات تملكا كاملا قبل أن يبيعها للمسجد بسعرها نقدا، وأن يدفع هو بالتقسيط سعر هذه المستلزمات، ويتحمل باقي التكلفة من جيبه الخاص، ويكون بهذا أيضا انتفع بالمال ولن يضر تجديد المسجد شيء.
فما مدى جواز هذا العمل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه التبرعات يجب صرفها فيما تبرع بها له وهو تجديد المسجد، ولا يجوز لمن هي تحت يده أن يتصرف فيها بغير ذلك. ولو افترض أن الوكيل في صرفها فيما جمعت له وهو الإمام، اشترى المستلزمات المذكورة بذمته، فبيعه لها لصالح المسجد وهو الوكيل لا يجوز؛ لأنه يعتبر شراء الوكيل لموكله من نفسه، وعامة العلماء على منعه بغير إذن الموكل.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اختلف الفقهاء في حكم شراء الوكيل لموكله من ماله الخاص به.

فذهب الحنفية إلى أن الوكيل بالشراء لا يملك الشراء من نفسه لموكله، حتى ولو أذن له الموكل في ذلك؛ لأن الحقوق في باب البيع والشراء ترجع إلى الوكيل، فيؤدي ذلك إلى الإحالة، وهو أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما ومتسلما، مطالبا ومطالبا، ولأنه متهم في الشراء من نفسه.

وعند المالكية في المعتمد، والحنابلة في المذهب شراء الوكيل للموكل مما يملكه الوكيل لا يصح؛ لأن العرف في الشراء شراء الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه، وكما لو صرح به، ولأنه يلحقه به تهمة، ويتنافى الغرضان في شرائه مما يملكه لموكله، فلم يجز كما لو نهاه. ويستثنى من ذلك ما إذا أذن الموكل للوكيل أن يشتري مما يملكه، حيث قالوا بجوازه؛ لانتفاء التهمة، فيصح للوكيل أن يتولى طرفي العقد في هذه الحالة؛ لانتفاء التهمة.
وفي قول عند المالكية يجوز شراء الوكيل من نفسه، إن لم يحاب نفسه.

وعن أحمد: يجوز، كما لو أذن له على الصحيح، أو وكل من يشتري، حيث جاز التوكيل.

وقال الشافعية: الوكيل بالشراء مطلقا لا يشتري لموكله مما يملكه الوكيل ولو أذن له؛ لأن الأصل عدم اتحاد الموجب والقابل، وإن انتفت التهمة، ولأنه لو وكله ليهب من نفسه، لم يصح وإن انتفت التهمة، لاتحاد الموجب والقابل .اهـ. باختصار.

وفي الإنصاف للمرداوي: قوله: (ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه). هذا المذهب. وعليه الجمهور. وعنه: يجوز. كما لو أذن له، على الصحيح، إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء، أو وكل من يبيع. حيث جاز التوكيل. وكان هو أحد المشتريين.
تنبيه: محل الخلاف: إذا لم يأذن له. فإن أذن له في الشراء من نفسه جاز. ومقتضى تعليل الإمام أحمد -رحمه الله- في الرواية التي تقول بالجواز فيها ويوكل: لا يجوز؛ لأنه يأخذ بإحدى يديه من الأخرى.

فائدتان:

إحداهما: وكذا الحكم في شراء الوكيل من نفسه للموكل. وكذا الحاكم وأمينه، والوصي وناظر الوقف، والمضارب كالوكيل.

الثانية: حيث صححنا ذلك: صح أن يتولى طرفي العقد. على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يصح. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني