الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المجتهدون في العبادة وقيام الليل لا يخلو منهم عصر

السؤال

أعجب من قصص الصحابة ـرضوان الله عليهم ـ في قيام الليل. فمنهم من كان يقوم الليل كله، ومنهم من يقوم نصفه، ومنهم من رأى مكانه في الجنة بسبب هذه العبادة العظيمة، وأنا أريد أن أكون مثلهم.
فلماذا في زمننا لا يوجد شخص يقوم الليل كله، ولم أسمع بشخص قرأ البقرة وآل عمران والنساء في صلاة الوتر؟
ولماذا لا يوجد شخص في زماننا مثل هؤلاء العظماء؟ أليسوا بشرا مثلنا؟ ومتى كانوا ينامون إن كانوا يقومون الليل كله أو نصفه؟
متى يجب علي أن أستيقظ لأصلي؟ وكم أصلي؟ وماذا أقرأ؟ ولماذا أصبح هذا الشيء صعبا ومستحيلا في زمننا؟ فأنا أصلي الوتر ثلاثا وأدعو فيهن، ولا يأخذ مني ذلك سوى ثلث إلى نصف ساعة، وعندما أتذكر هؤلاء العظماء أحزن لحالي، وأرى أنني مقصرة جدا، ولا أستطيع أن أكون مثلهم.
فهل هذه العبادات اختصهم بها الله -عز وجل-؛ لأنهم صحابة وأنبياء، وانتهت بانتهاء زمنهم كالمعجزات التي انتهت بوفاة آخر نبي عليه الصلاة والسلام؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته من أنه لا يوجد في زماننا من يقوم بهذه العبادات مبالغ فيه، ففي الأمة الآن من يقوم الليل كله أو نصفه، فإن الخير لا يزال في أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الخير والصلاح موجودون في كل عصر مبثوثون في أقطار الأرض، ومن أين لك نفي وجودهم وأنت غير مطلعة على جميع أحوال الناس في شتى البلاد؟! ولا شك في أن الصحابة ومن بعدهم في القرون الفاضلة قد أوتوا في باب الاجتهاد في العبادة النصيب الأوفر والحظ الأكبر، فضلا عما اختصهم الله به من الكمالات، فكانوا خير القرون، ولا يعني هذا انتفاء القيام ببعض ذلك في من بعدهم.

وأنت بحمد الله على خير كثير، وما تفعلينه من القيام مما تؤجرين عليه وتثابين بفعله ـ إن شاء الله ـ ومداومتك على هذا القدر أمر حسن، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، على أنك لو جاهدت نفسك في الزيادة التدريجية من هذا الخير، فتزيدين في حصة القيام شيئا فشيئا، فكلما اعتدت قدرا زدت عليه، فذلك حسن جميل.

وأفضل القيام قيام داود ـ عليه السلام ـ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام. كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه. وكان يصوم يوما، ويفطر يوما.

فإذا تمكنت من قيام ثلث الليل بعد نومك نصفه فحبذا ما تفعلين، وإلا فكل ما تأتين به من الصلاة في الليل هو من قيام الليل الذي تؤجرين عليه.

وشكر الله لك نيتك الصالحة، وحرصك على الخير والتزود منه، لكن اعلمي أن الوصول إلى ما تطمح إليه نفسك في هذا الباب لا يكون إلا بمزيد المجاهدة والمصابرة، ومهما جاهدت نفسك استقامت لك، وتلذذت غدا بما يشق عليك فعله اليوم. وانظري الفتوى: 139680.

وعليك مع المجاهدة الصادقة بالاجتهاد في الدعاء، والإكثار من قراءة سير القوم وتراجمهم ككتاب سير الأعلام والنبلاء للإمام الذهبي، وكتاب صفة الصفوة للإمام ابن الجوزي، وكتاب الزهد والرقائق للإمام عبد الله بن المبارك وغيرها، فإن ذلك من أعظم المحفزات على مزيد النشاط في العبادة.

وفقنا الله وإياك، لما فيه رضاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني