الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان كون الأنبياء أشد الناس بلاء

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فكيف نفسر أن هناك من يولد أعمى حتى يموت أو من المعاقين حركيا، أو مثلا ماشطة فرعون، فهل يعتبرون أشد بلاء أم الرسل صلى الله عليه وسلم؟ فقطعا هم أشدا بلاء!! أرجو التوضيح.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا لا نرى العدول عن الثابت في الحديث من كون الأنبياء هم أشد الناس بلاء، فهم أشد بلاء في المرض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تشتد الحمى عليه أكثر من غيره، وقد أوذي في الله أكثر مما يؤذى غيره، وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فمسسته، فقلت: يا رسول الله؛ إنك توعك وعكا شديدا، فقال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. رواه البخاري ومسلم.

وفي الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.

وفي صحيح الأدب المفرد: عن أبي سعيد الخدري: أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك، عليه قطيفة، فوضع يده عليه، فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال أبو سعيد: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: إنا كذلك، يشتد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، فقال: يا رسول الله؛ أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون، وقد كان أحدهم يبتلى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها، ويبتلى بالقمل حتى يقتله، ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء، من أحدكم بالعطاء.
وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: أشد الناس بلاء ـ أي محنة واختبارا الأنبياء، المراد بهم ما يشمل الرسل: ثم الأمثل فالأمثل ـ أي الأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى، فهم معرضون للمحن والمصائب والمتاعب أكثر. اهـ.

فبلاء الأنبياء فوق بلاء من يولد أعمى أو معاقا حتى يموت، مع أن الأعمى والمعاق قد يكرمه الله بميزة الذكاء والعلم فلا يجد ضررا كبيرا في فقد بصره وقوته، فقد كان جمع من الصحابة والعلماء والقراء متصفًا بالعمى ـ منهم ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، والقاسم بن محمد، والشاطبي ـ وكان في عصرنا من ذلك عدة أجلاء ـ منهم الشيخ محمد بن ابراهيم، والشيخ ابن باز، والشيخ كشك، والدكتور تقي الدين الهلالي ـ رحمهم الله تعالى.

وقد ذكر ابن قتيبة جمعًا من أهل العاهات من أهل العلم، فقال في المعارف: أهل العاهات: عطاء بن أبي رباح: كان أسود، أعور، أشلّ، أفطس، أعرج، ثم عمي بعد ذلك، أبان بن عثمان بن عفان: كان أصم، شديد الصمم، وكان أبرص، يخضب مواضع البرص من يده، ولا يخضبه في وجهه، وكان مفلوجًا... وكان أحول، مسروق بن الأجدع: كان أحدب، أشلّ، من جراحة كانت أصابته يوم القادسية، وفلج أيضًا، الأحنف بن قيس: كان أعور ويقال: ذهبت عينه بسمرقند، ويقال: بل ذهبت بالجدري، وكان أحنف الرّجل يطأ على وحشيها، متراكب الأسنان، صعل الرأس، مائل الذقن، خفيف العارضين، أبو الأسود الدّئلي: وكان أعرج، مفلوجًا، عبيدة السّلماني: كان أصمّ، أعور. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 95198.

هذا؛ وننبه إلى أن الظاهر أنك أردت في بداية السؤال ذكر حديث، ولكنك لم تذكره، فإن كنت أردت الحديث الذي ذكرنا في ابتلاء الأنبياء فقد تكلمنا عليه، وإن كنت أردت حديثا آخر فأرسل لنا رسالة أخرى بشأنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني