الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعض مراحل خلق الإنسان معلومة قبل نزول القرآن

السؤال

عندي استفسار بخصوص قصة الرجلين الذين ذكرهما الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف في الآية: قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ـ فكيف علم الرجل أن خلق الإنسان يمر بهذه المراحل التي لم نعلمها إلا من القرآن الكريم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقدر المذكور من أطوار خلق الإنسان الوارد في آية سورة الكهف المذكورة في السؤال ليس من العلم الخفي الذي لم يعلم الناس به قبل نزول القرآن، وإنما هو من مبادئ العلوم، ومن المعارف المشاعة والمتفق عليها، والتي لا ينازع فيها العقلاء، فلا أحد ينكر أن أصل الجنين نطفة، وأن أصل الإنسان من تراب، بل جعل الله ذلك من الآيات الدالة على قدرته المطلقة، واستحقاقه أن يعبد وحده لا شريك له، قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ {سورة الروم:20}.

ولم ينازع كفار قريش ولا غيرهم في ذلك، فدل على أنها حقيقة مسلَّمة يتواطأ عليها العقل الجمعي للبشر، بل في القرآن ما هو كالتصريح بتسليمهم لهذه الحقيقة، وذلك في قول الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ {سورة الواقعة:62}.

فالنشأة الأولى معلومة لهم لا ينازعون في كونها من تراب، وكذلك في إثبات الله تعالى البعثَ على منكريه من كفار قريش وغيرهم، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ {سورة الحج:5}.

وفي تبجح النصارى واستدلالهم على ألوهية عيسى بأنه ولد بلا أب، وتلك معجزة، بكَّتهم الله تعالى بأن الإعجاز في خلق آدم من تراب أبين وأوضح، ولم يجادلوا في أنه من تراب، قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {سورة آل عمران:59}.

نعم، مراحل خلق الجنين على وجه التفصيل لم يعلم بها الإنسان إلا بعد نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي المراحل التي ورد ذكرها في سورة المؤمنون والحج وغيرهما، ولكن صاحب سورة الكهف لم يتطرق لذكر هذه التفصيلات، وإنما اقتصر على ما هو معلوم للجميع، ومنهم غريمه الذي يحاوره، ومن المعلوم أن من آداب المناظرة الانطلاق بالقدر المشترك المتفق عليه بين المتناظرين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني