الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشترط في كل الواجبات الشرعية أن يأتي الأمر بها في السنة؟

السؤال

قرأت قولا لبعض السلف، أنه استنتج من قوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله. أنه يجب على الرجل جماع امرأته على الأقل مرة كل طهر. وهو قول مقنع، ولا أعرف إذا كان له مخالفون.
ولكن السؤال: هل من المعقول أن يكون هناك فرض مثلا في القرآن، لم ينقله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لنا على أنه فرض، ونأتي نحن بعدها لنستنتج أن هذا فرض.
أقصد أنه إذا لم يثبت لنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالجماع في كل طهر. فهل يحق لنا أن نقول عن شيء إنه فرض، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل به، ليس فقط عن هذا الأمر، بل بشكل عام؟
وإذا كان كذلك، لوجب أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ للأمة كل الفروض الواجبة عليها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقول بوجوب جماع الرجل امرأته في كل طهر مرة، هو قول ابن حزم -رحمه الله- حيث قال في المحلى: وفرض على الرجل أن يجامع امرأته -التي هي زوجته- وأدنى ذلك مرة في كل طهر -إن قدر على ذلك- وإلا فهو عاص لله تعالى. برهان ذلك: قول الله عز وجل: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 222]. اهـ.

وعلى فرض صحة استدلال ابن حزم بالآية الكريمة على وجوب الجماع في كل طهر، فلا وجه للإشكال الذي ذكرته في سؤالك، فإنّ الوجوب حينئذ مستفاد من القرآن، فلا يشترط أن ترد السنة بالأمر به، فإنّه صلى الله عليه وسلم قد بلغنا القرآن كما أنزل عليه، فحصل بذلك البلاغ المطلوب.
لكن استدلال ابن حزم بالآية على الحكم المذكور، غير صحيح.

قال ابن كثير -رحمه الله-: وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فِيهِ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى غِشْيَانِهِنَّ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى وُجُوبِ الْجِمَاعِ بَعْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ، لِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بَعْدَ الْحَظْرِ. وَفِيهِ أَقْوَالٌ لِعُلَمَاءَ الْأُصُولِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَالْمُطْلَقِ. وَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى جَوَابِ ابْنِ حَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَجْعَلُونَ تَقَدُّمَ النَّهْيِ عَلَيْهِ قَرِينَةً صَارِفَةً لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالَّذِي يَنْهَضُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَدّ الْحُكْمُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ النَّهْيِ. تفسير ابن كثير.
والراجح عندنا أنّ الواجب على الرجل أن يعفّ زوجته بقدر طاقته وحاجتها دون تحديد. وراجع الفتوى رقم: 132367.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني