الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من فعل الكفر جاهلا بأنه كفر عالما بحرمته

السؤال

لقد قرأت أن من فعل الكفر الأكبر جاهلا أنه كفر، عالما بالحرمة، فإنه يكفر بذلك، فهل هناك رأي آخر في ذلك الموضوع؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية تكفير من ارتكب أمرًا كفريًا يعلم حرمته، ولا يعلم أنه كفر، فقد قال: قال تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ـ فاعترفوا، واعتذروا، ولهذا قيل: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ـ فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله، وآياته، ورسوله، كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرًا، وكان كفرًا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه. اهـ.

وهذا ما أفتى به ابن باز، ففي فتاوى نور على الدرب: حكم من مات وهو يجهل أن ترك الصلاة كفر، س: إذا كان هناك إنسان مات وهو لا يصلي ولم يكن يعلم أن تارك الصلاة كافر، فهل يغفر الله له بجهله؟ ج: ظاهر الأدلة الشرعية أنه لا يغفر له، فليس بشرط أن يعلم الحكم، فهو مأمور بالصلاة، فعليه أن يصلي، ومأمور بالزكاة فعليه أن يزكي، وهكذا. اهـ.

بينما فرق ابن عثيمين بين مجرد الجهل بأن الفعل كفر ـ مع العلم بحرمته ـ فهذا لا يعذر صاحبه، وبين من قلد عالما يرى أن الفعل محرم وليس بكفر، فهذا لا يكفر ـ إن كان الفعل في نفس الأمر كفرا ـ فقد سئل ابن عثيمين: هل يعذر الجاهل بما يترتب على المخالفة؟ كمن يجهل أن ترك الصلاة كفر؟ فأجاب بقوله: الجاهل بما يترتب على المخالفة غير معذور إذا كان عالما بأن فعله مخالف للشرع كما تقدم دليله، وبناء على ذلك فإن تارك الصلاة لا يخفى عليه أنه واقع في المخالفة إذا كان ناشئا بين المسلمين فيكون كافرا وإن جهل أن الترك كفر، نعم إذا كان ناشئا في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم، فإنه لا يكفر لتقليده لأهل العلم في بلده، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم، لأن فرض العامي التقليد، لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. اهـ.

ومن العلماء المتأخرين من لا يعذر بالجهل في أصول الدين ومسائل الكفر أصلا، فالعلم بالحرمة مع عدم العلم بالكفر لا يمنع التكفير عندهم من باب أولى، جاء الفتاوى الهندية في المذهب الحنفي: ومن أتى بلفظة الكفر، وهو لم يعلم أنها كفر إلا أنه أتى بها عن اختيار يكفر عند عامة العلماء، خلافا للبعض، ولا يعذر بالجهل، كذا في الخلاصة. اهـ.

لكن العذر بالجهل في أصول الدين وفروعه هو القول الصحيح الذي عليه سلف الأمة، وأئمتها، قال ابن تيمية: فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجماهير أئمة الإسلام وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها، فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع، فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام. اهـ.

وللفائدة راجع الفتوى رقم: 721.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني