الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في شرط سكنى الدار أو البلد

السؤال

تزوجت منذ ست سنوات، وزوجي يسكن في الجنوب، وأنا أسكن في الشمال. وكان من شروط العقد أن نستقر في الشمال؛ لأنه كان يعمل هنا، وكان أصلا مستقرا هنا. وكانت أمه معه، وأكد والدي كثيرا على هذه النقطة؛ لأننا ثلاث بنات فقط، وأمي وأبي لم يتبق لهما أي أحد من أفراد عائلتهما المقربين حيا. فوافق زوجي بحضور الشهود، وفي المسجد.
بعد الزواج بدأت أمه تختلق المشاكل؛ لأنها من النوع القديم، وأنا على العكس تماما، يعني مشاكل على عمل البيت ...الخ. فبدأت تقول له: أنا لن أبقى هنا، وسأعود إلى الجنوب، ترجاها فلم تقبل.
عادت، وأصبحنا نزورها كثيرا، وتزورنا هي أيضا. وهي هناك في الجنوب أولادها كلهم مستقلون ببيوت خاصة، لكنهم قريبون جدا منها، وهي تبيت مع بنت ابنها في سن 14. لا تريد أن تذهب لأي بيت إلا زيارة وتعود لبيتها، وتريد من زوجي أن يذهب ويسكن في بيتها، وهي مسيطرة جدا.
بعد أربع سنوات من العقم من طرفه، رزقنا الله بعد العلاج بولد. وأم زوجي لم تزد من حدة التوتر، إلا بعد أن سمعت بخبر حملي، فتأكدت أن ابنها تعافى من مرضه.
المهم زوجي قبل أشهر غير عمله إلى الجنوب، وبقيت أنا في الشمال، وأصبح يأتيني زيارة.
قبل أيام اكتشفت أن زوجي عزم على الزواج، واجهته بالأمر، قال لي: إن أتيت معي فسألغي الفكرة، وافقت على الذهاب معه بعد خروج أبي من المشفى (أبي في المستشفى مريض في ظهره، لكن حالته الآن أفضل من قبل) واشترطت أن يكون لي سكن منفصل جنب أمه؛ فوافق. لكن والدي غضبا كثيرا، وشعرا بالاحتقار، وحاولا الاتصال به، فلم يرد؛ فغضبا أكثر. فقلت له: لن آتي إليك حتى تكلم والدي، وتحاول إرضاءهما، وان أساءا اللفظ معك تحمل. فكما أنك تسعى لإرضاء أمك، أنا أيضا لن أذهب وهما غاضبان، ويشعران أنني لم أعطيهما قيمة، ولم أحترمهما.
هل يمكن أن أذهب دون رضا والدي، أو على الأقل إعطاء قيمة قليلة لهما، وهما أصلا في وضعية ضعف؟
أرجو معرفة رأي الشيخ في تصرفات زوجي، من نقضه الوعد بينه وبين أبي، إلى عزمه على الزواج، إلى عدم الرد على اتصالات والدي، والخوف من مواجهتهما. من فضلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا أنّ الشرط الذي حصل الاتفاق عليه في العقد ببقائك في الشمال، شرط صحيح، لازم، وهو مذهب الحنابلة، كما بيناه في الفتوى رقم: 32542
ومعنى لزوم الشرط، أن الزوج إذا أخلّ بشرطه، فمن حقّك فسخ النكاح.

أمّا عن وجوب الوفاء بالشرط، فالمشهور عند الحنابلة أنّ الوفاء بالشرط مستحب غير واجب، فلا يأثم الزوج بمخالفته.

قال المرداوي: حيث قلنا بصحة شرط سكنى الدار أو البلد ونحو ذلك، لم يجب الوفاء به على الزوج. صرح به الأصحاب، لكن يستحب الوفاء به، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد -رحمه الله- في رواية عبد الله.

ومال الشيخ تقي الدين -رحمه الله- إلى وجوب الوفاء بهذه الشروط، ويجبره الحاكم على ذلك. الإنصاف.
وعليه؛ فرجوع زوجك في الشرط جائز عند أكثر العلماء، لا سيما وقد رجع حرصاً على برّ أمّه، وإذا كنت رضيت بالذهاب معه إلى الجنوب، فلا إشكال إذاً، ولا إثم عليك في مخالفة والديك في هذا الأمر، فطاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين في هذا الأمر.

قال ابن تيمية (رحمه الله): الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ، كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا، وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. مجموع الفتاوى.
وقال المرداوي الحنبلي(رحمه الله): لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها، ولا زيارة ونحوها، بل طاعة زوجها أحق. اهـ.
لكن عليك أن تبري والديك حسب استطاعتك، وتسعي في استرضائهما بقدر طاقتك، وينبغي على زوجك أن يعينك على ذلك، ويكلم والديك بالرفق حتى يكونا راضيين بالنقلة، وتصفو النفوس، وتتآلف القلوب، كما ينبغي عليك أن تعينيه على برّ أمّه، فهذا من حسن العشرة، ومن التعاون على الخير.
وبخصوص رغبة زوجك في الزواج بأخرى، فهذا جائز إذا كان قادراً على العدل بينكما، والقيام بحقوقكما، والظاهر -والله أعلم- أنّك إذا ذهبت معه إلى الجنوب، فسوف يعدل عن هذه الرغبة.
نسأل الله أن يصلح بينكما، ويوفقكما لما فيه الخير والصلاح.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني