الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لو تاب الزاني وجلد نفسه فهل يجوز له الزواج من العفيفة؟

السؤال

إذا زنا شخص ـ والعياذ بالله ـ وهو غير محصن، وتاب إلى الله, وكفر عن ذنبه بأن جلد نفسه بنفسه 100 جلدة، دون علم أحد, ويريد ستر نفسه، وأن يتزوج، فهل يجوز له الزواج من عفيفة لم يسبق لها الزنا؟ حيث إنني عند البحث وجدت أن الإجماع على أن الزاني التائب تسقط عنه صفة الزنا، وله أن يتزوج من عفيفة شريفة لم يسبق لها الزنا, فتوقفت بعد أن قرأت الحديث التالي: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ـ وتذكرت أن الشخص قام بجلد نفسه, فهل هذا الحديث يعني أنه لو تاب من الزنا وبما أنه أصبح مجلودًا، فلا يحق له الزواج إلا بمثله؟ وقرأت أيضًا أن سيدنا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- رفض زواج رجل مجلود من امرأة عفيفة، وقال له: اذهب وتزوج مجلودة مثلك, كما أنني أعلم أن إقامة الحد تكفر الذنب، والتوبة تلغي الذنب، فهل جلد الشخص لنفسه تعتبر إقامة للحد؟ وهل توبته بعد أن جلد نفسه، تبيح له أن يستر على نفسه، وأن يتزوج من شريفة وعفيفة لم يسبق لها الزنا؟ علمًا أنني وجدت هذه الفتوى للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ولكن لم يتضح لي الحكم، فأرجو التوضيح.
https://www.youtube.com/watch?v=e_NaYw9swt8

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما قام به هذا الشخص من جلد نفسه غير صحيح, ولا مفيد، قال الماوردي -رحمه الله-:... ولو جلد نفسه لم يجزه، والفرق بينهما أن الحد حق يستوفى منه، فلم يجز أن يكون مستوفيه. انتهى.

فإقامة الحدود موكولة إلى الإمام، وليست لآحاد الناس، كما بينّاه في الفتوى رقم: 29819.

وليس من شرط توبة الزاني أن يقام عليه الحد، ولكن تكفيه التوبة بينه وبين الله، وهو مندوب إلى ستر نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-:.. فيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.

والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، فمتى حقق هذه الشروط، فهو عفيف مكافئ للعفيفات، وليس صحيحًا أنّه ممنوع من تزوج العفيفات، فالمقصود بالحديث المذكور الزاني الذي لم يتب، وذكر الجلد لكونه دليلًا على اشتهاره بالفاحشة، قال القرطبي -رحمه الله-: قال ابن خويز منداد: وإنما ذكر المجلود؛ لاشتهاره بالفسق.

أمّا التائب: فلا يوصف بكونه زانيًا؛ لأنّ التوبة تمحو ما قبلها، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كلامه على نكاح المرأة الزانية:.. وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له ـ وقوله: التوبة تمحو الحوبة.

وكلام الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ليس فيه ما يخالف ما ذكرناه لك، فهو يقرر أنّ الزاني لا يزوج من عفيفة إلا إذا تاب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني