الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل وقوع النسخ مجمع عليه؟ وهل يحكم بتكفير من أنكره؟

السؤال

هل الناسخ والمنسوخ الذي بمعنى رفع الحكم الشرعي المتقدم بخطاب متأخر، عقيدة لا بدّ من الإيمان بها؟ أم إن المسألة خلافية، ولا يكفر منكرها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فها هنا مسألتان:

الأولى: هل وقوع النسخ محل إجماع أم لا؟.

والثانية: حكم منكر وقوع النسخ.

فأما الأولى: فقد نقل طائفة من أهل العلم اتفاق من يعتد بهم في الإجماع على جوازه عقلًا، ووقوعه شرعًا، قال أبو بكر الجصاص في الفصول في الأصول: من ينكر النسخ فريقان: أحدهما: اليهود، والآخر: فريق من أهل الملة من المتأخرين، لا يعتد بهم... وإنما القصد الكلام في أصول الفقه، إلا أنه لما عرض فيه القول بالنسخ أحببنا ألا نخليه من جملة تدل عليه، وعلى بطلان قول من أبى ذلك من الفرقة التي تنتحل دين الإسلام، ثم ضاهت اليهود في امتناعها من تجويز نسخ الشريعة، فنقول بعد تقدمة القول في جواز النسخ في الجملة: إن الفرقة المنكرة للنسخ من أهل الصلاة، قد خالفت الكتاب، والآثار المتواترة، واتفاق السلف والخلف جميعًا فيما صارت إليه من هذه المقالة... اهـ.

وقال القرطبي في تفسيره: أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة. اهـ.

وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة: اتفق أهل الشرائع على جوازه عقلًا، ووقوعه سمعًا، إلا الشمعونية من اليهود، فإنهم أنكروا الأمرين، وأما العنانية منهم، وأبو مسلم الأصفهاني من المسلمين، فإنهم أنكروا جواز النسخ شرعًا، لا عقلًا. اهـ.

وقال ابن النحاس في مقدمة كتاب الناسخ والمنسوخ: تكلم العلماء من الصحابة، والتابعين في الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف المتأخرون فيه، فمنهم من جرى على سنن المتقدمين، فوُفِّق، ومنهم من خالف ذلك، فاجتنب، فمن المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتبع غير سبيل المؤمنين. اهـ.

وقال ابن الجوزي في نواسخ القرآن: انعقد إجماع العلماء على هذا ـ يعني أن في القرآن منسوخًا ـ إلا أنه قد شذّ من لا يلتفت إليه، فحكى أبو جعفر النحّاس أن قومًا قالوا: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ! وهؤلاء قوم لا يقرّون؛ لأنهم خالفوا نص الكتاب، وإجماع الأمة، قال الله عزّ وجلّ: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها {البقرة: 106}. اهـ.

وقال الشوكاني في فتح القدير، وصديق حسن خان في فتح البيان: اتفق أهل الإسلام على ثبوته سلفًا وخلفًا، وهو جائز عقلًا، وواقع سمعًا، ولم يخالف في ذلك أحد، إلا من لا يعتد بخلافه، ولا يؤبه بقوله. اهـ.

وأما المسألة الثانية، وهي حكم منكر وقوع النسخ: فلم نجد أحدًا من أهل العلم كفَّر منكره، بل ينصون على أن أبا مسلم الأصفهاني هو من أنكره من المسلمين، فنصوا على إسلامه، ولم يكفروه، ومن المعلوم أن التأويل ـ فضلًا عن الجهل ـ مانع من موانع الحكم بالكفر، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 206329، ورقم: 184489.

ويتأكد هذا بنص أهل العلم على عدم تكفير من رد أصل الإجماع، وإنما بدَّعوه وضللوه، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 185943، ورقم: 330073.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 721.

والخلاصة أن النسخ واقع بإجماع من يعتد بهم من أهل العلم، والإقرار بذلك هو الحق الواجب اعتقاده، ولكن لا يحكم بالكفر على منكره لمكان التأويل، أو الجهل، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 62960.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني