الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث: يدخل أهل الجنة الجنة جردًا، مردًا، بيضًا، جعادًا، مكحلين...

السؤال

حدثنا يزيد، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يدخل أهل الجنة الجنة جردًا، مردًا، بيضًا، جعادًا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، على خلق آدم، ستون ذراعًا في عرض سبع أذرع.
سمعت أن أحد الرواة ضعيف ـ علي بن زيد ـ ومن ثم؛ فإن كل الحديث ضعيف، وسمعت أن بعض أجزاء الحديث رُفعت إلى حسن، بفضل روايات أخرى، وسمعت أن الجزء الذي يقول: سبعون ذراعًا ضعيف، فهل الأجزاء التي تقول: إن جلودهم ستكون بيضاء، وشعرهم مجعد تم رفعها إلى حسن، كبقية الحديث؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلم ذلك؟ وفي تخريج أحاديث الكشاف حول ابن أبي حاتم: وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو سَلَمة، عَنْ حمَّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيّب: أنَّ النبيَّ ص...قلتُ: وَرَوَاهُ آدَمُ، فَقَالَ: عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ ص، قال: يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا، مُرْدًا، مُكَحَّلِينَ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ، أَبْنَاءَ ثَلاَثٍ وثَلاَثِينَ، قلتُ لأَبِي: فأيُّهما الصَّحيحُ؟ قَالَ: جَمِيعًا صَحيحَينِ، قصَّر أَبُو سَلَمة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعلي بن زيد بن جدعان، وإن كان من أهل الصدق، إلا إنه ليس ثبتًا في الحديث، وقد ضعفه أكثر النقاد، وقال الحافظ الذهبي في الكاشف: أحد الحفاظ، وليس بالثبت، قال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ضعيف. اهـ.

وحديثه هذا رواه الإمام أحمد في مسنده بالإسناد الذي نقله السائل، ورواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن حماد، به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد، إلا حماد بن سلمة، ولا يروى عن أبي هريرة، إلا بهذا الإسناد. اهـ.

وقال الضياء المقدسي في صفة الجنة: قيل: تفرد به حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان. اهـ.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد، وابن أبي الدنيا، والطبراني، والبيهقي، كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. اهـ.

وإذا تفرد به ابن جدعان، فلا يصحح إسناده، إلا من يقوي حال ابن جدعان، كالشيخ أحمد شاكر، فإنه قال في تحقيق المسند: علي بن زيد بن جدعان عندنا: ثقة. اهـ.

ولذلك قال في تحقيق هذا الحديث: إسناده صحيح... قوله جعادًا: هو بكسر الجيم وفتح العين المهملة مخففة، جمع جعد، وهو الذي شعره غير سبط، وهي صفة مدح؛ لأن جعودة الشعر هي الصفة الغالبة على شعور العرب، وسبوطته هي الغالبة على شعور العجم، من الروم، والفرس، وأمثالهم من الأعاجم. اهـ.

وقد سبق أن أشرنا إلى حال ابن جدعان؛ ولذلك قال الشيخ الألباني في تعليقه على الترغيب والترهيب: حسن لغيره، هنا في الأصل جملة: عرض سبعة أذرع ـ حذفتها؛ لأني لم أجد لها شاهدًا. اهـ.

وقال الأرناؤوط في تحقيق المسند: حديث حسن بطرقه وشواهده، دون قوله: في عرض سبع أذرع ـ فقد تفرد بها علي بن زيد ـ وهو ابن جدعان ـ وهو ضعيف... وجعادًا: قال: ضبط بكسر جيم، جمع جعد بفتح فسكون، وفي المجمع: الجعد في صفات الرجال يكون مدحًا وذمًّا، فالمدح أن يكون شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر، وهو ضد السبط؛ لأن السبوطة أكثرها في شعر العجم، والذم القصير المتردد الخلق، وقد يطلق على البخيل، يقال: هو جعد اليدين، ويجمع على جعاد. اهـ.

وأما كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في العلل، حيث قال ابنه: سألت أبي عن حديث رواه أبو سلمة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب: أن النبي ص... قلت: ورواه آدم فقال: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ص، قال: يدخل أهل الجنة الجنة جردًا، مردًا، مكحلين، على خلق آدم، أبناء ثلاث وثلاثين، قلت لأبي: فأيهما الصحيح؟ قال: جميعًا صحيحين، قصر أبو سلمة. اهـ.

فيعني صحة رفعه من حديث ابن جدعان، وأن أبا سلمة هو الذي قصّر، فرواه عنه، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا، وإلا ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم قال: قال أبي: علي بن زيد بن جدعان، ليس هو بالقوي، روى عنه الناس، وأسند عن ابن معين، قال: علي بن زيد بن جدعان، ليس بحجة، وعن أبي زرعة: ليس بقوي. اهـ.

ومما سبق يتبين جواب قول السائل: هل الأجزاء التي تقول: إن جلودهم ستكون بيضاء، وشعرهم مجعد، هل تم رفعها إلى حسن، كبقية الحديث؟

وأما قوله: إذا كان الأمر كذلك، فلمَ ذلك؟ فلم يتبين لنا مقصوده!

وإن كان يريد به بيان الحكمة من كون أهل الجنة جميعًا يكونون جعادًا، فقد سبقت الإشارة إلى أن المراد بذلك الصفة المحمودة المحبوبة.

وأما الحكمة من كون لونهم جميعًا يصير إلى الأبيض، فقد قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ {آل عمران: 106}.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: بدئ بذكر البياض لشرفه، وأنه الحالة المثلى. اهـ.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: البياض هو شعار أهل النعيم. اهـ بتصرف.

وقال الزمخشري في الكشاف: البياض من النور، والسواد من الظلمة، فمن كان من أهل نور الحق، وسم ببياض اللون، وإسفاره، وإشراقه، وابيضت صحيفته، وأشرقت، وسعى النور بين يديه، وبيمينه، ومن كان من أهل ظلمة الباطل، وسم بسواد اللون، وكسوفه، وكمده، واسودّت صحيفته، وأظلمت، وأحاطت به الظلمة من كل جانب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني