الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السبب في عدم شفاء المريض بالوساوس في رمضان بالرغم من تصفيد الشياطين

السؤال

ذكر في الفتوى رقم: 217513، أن المريض بالوسوسة لا يلزم أن يكون وسواسه صادرًا عن الشيطان، بل من ذلك ما هو ناشئ عن أسباب عضوية يرجع في علاجها إلى الأطباء، وبه تعلم أنه لا يلزم أن يشفى مريض الوسوسة في رمضان، فهل هذا يعني أن من كان وسواسه عضويا إن كان لديه وساوس في العقيدة والعبادة في رمضان ربما ليست من الشيطان، ولأنه ذكر في الفتوى رقم: 139878، أن المراد بالتصفيد إما على الحقيقة ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين، مع أن هناك أحاديث أن الشيطان يوسوس في هذه الأمور ـ العقيدة والعبادة؟ وماذا عن القرين؟ وفي الفتوى رقم: 139878، ذكر أن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية، فما معنى النفوس الخبيثة؟ وهل هذا يعني أن وسوسة مريض الوسواس ربما يكون من النفس الخبيثة؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس بين هذه الفتاوى أي تعارض أصلا، فالوسوسة قد تكون ناشئة عن غير الشياطين كما ذكرنا، ومن ثم فلا يلزم أن يشفى مريضها في رمضان، والتصفيد عند بعض العلماء معناه تقليل حركتها لا إعدامها بالكلية، وعليه فلا يمتنع أن يتوصلوا بنوع وسوسة في رمضان، وبعض العلماء يرى أن الذي يصفد هم مردة الجن لا عموم الشياطين.

وبكل حال فمريض الوسوسة عليه أن يعرض عن الوساوس ويتجاهلها، فإن هذا هو علاجها أيا كان سببها، والنفوس الخبيثة من أنفس الجن والإنس التي تزين الشر وتسوله، وأما القرين فمن يقول من العلماء إن الذي يُصَفَّد هم المردة فذلك يقتضي أنه يبقى يوسوس لصاحبه في رمضان، ومن يقول بالعموم فإنه لا يلزم ألا يوسوس بالمرة، بل يضعف تأثيره وتقل وسوسته، ولا يلزم أن تنعدم بالكلية، قال في فتح الباري نقلا عن القرطبي: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا، فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ ـ أي: سلسلت ـ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ, أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لا كُلُّهُمْ كَمَا جاء فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ, أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس، فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ, إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة، لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيّة. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: تصفد فيه الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره ـ وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبداً، بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره. انتهى.

وتنظر الفتوى رقم: 39863.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني