الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحد المجزئ في القيام والركوع والسجود، وشرح حديث:"لا صلاة لمن لم يقم صلبه"

السؤال

هل يجب أن يكون ظهري مستقيمًا في الصلاة في القيام، والركوع، والسجود، والتشهد؟ ولو انحنيت في القيام لأنظر إلى أسفل، أو انحنى ظهري ولَم أجعله منتصبًا في التشهد فهل تبطل الصلاة؟ نرجو التوضيح مع شرح حديث: "لا صلاة لمن لم يقم صلبه".

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمجرد الانحناء اليسير في القيام، أو عدم الاعتدال التام للظهر في الركوع أو السجود، لا يبطل الصلاة؛ إذ لا يخرجه ذلك عن الحد المجزئ في القيام في الصلاة، أو الركوع، أو السجود, ففي كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي الحنبلي: وحدّه ـ أي: القيام ـ ما لم يصر راكعًا، قاله أبو المعالي، وغيره، ولا يضر خفض الرأس على هيئة الإطراق؛ لأنه لا يخرجه عن كونه يسمى قائمًا. انتهى.

وفي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، وهو شافعي: وعبارة المغني، والنهاية: والانحناء السالب للاسم، أن يصير إلى الركوع أقرب، كما في المجموع، ومقتضاه أنه لو كان أقرب إلى القيام، أو استوى الأمران صح. انتهى.

وعلى هذا؛ فإن انحناءك لأجل النظر أسفل، لا يبطل صلاتك.

أما المجزئ في الركوع: فهو أن ينحني المصلي بقدر ما تمس يداه ركبتيه، ولا يشترط في صحته استقامة الظهر.

وأما كمال الركوع، والمستحب فيه، فهو: أن يقبض المصلي بيديه على ركبتيه، مفرجتي الأصابع، ويسوّي ظهره، ويجعل رأسه حياله، ويفرج بين عضديه، وجنبيه، يقول الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: قوله: مستويًا ظهره ـ الاستواء: يشمل استواء الظهر في المد، واستواءه في العلو، والنزول، يعني لا يقوس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستويًا، وقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه ـ لم يشخصه، يعني: لم يرفعه، ولم يصوبه: لم ينزله، ولكن بين ذلك.

وقال أيضًا: والواجب من الركوع: أن ينحني بحيث يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى الوقوف التام، يعني: بحيث يعرف من يراه أن هذا الرجل راكع. انتهى.

أما السجود: فالمطلوب فيه أن يسجد المصلي معتدلًا، مع رفع ظهره, ولا يخفضه, قال ابن قدامة في المغني: ويكون في سجوده معتدلًا، قال الترمذي: أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود. انتهى.

وفي النجم الوهاج في شرح المنهاج ـ وهو شافعي ـ متحدثًا عن السجود: ويستحب: أن يرفع مرفقيه، ويعتمد على راحتيه، روى البخاري ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وأن يرفع ظهره، ولا يحدودب، ولا يرفع وسطه عن أعلاه وأسفله. انتهى.

ولا يضر الانحناء أثناء الجلوس للتشهد, كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 329734.

وبخصوص الحديث الذي سألت عنه, فقد ورد في سنن أبي داود بلفظ: لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع، والسجود. وفي رواية الترمذي: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع، والسجود.

وهذا الحديث دليل لمن أوجب الطمأنينة في الركوع, والسجود, وأن تركها مبطل للصلاة, يقول المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ـ يعني صلبه، أي: ظهره، أي: لا يجوز صلاة من لا يسوي ظهره في الركوع والسجود، والمراد الطمأنينة، قاله في مجمع البحار، واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في الأركان. انتهى.

وفي شرح سنن أبي داود للعيني: وبهذه الأحاديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد أن الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، حتى تبطل الصلاة بتركها، وهو قول أبي يوسف، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وابن وهب، وداود، وقال أبو حنيفة، ومحمد: الطمأنينة فيهما واجبة، وليست بفرض، وذكر في الخلاصة أنها سنة عندهما. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني