الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام سقوط الكفارات بالعجز

السؤال

هل يغفر الله الذنوب جميعا بالتوبة؟ وهل إذا كانت علي كفارات كثيرة جدا وكان في استطاعتي إخراج نصفها والباقي لم أستطع إخراجه سواء بالإطعام أو الصوم وعجزت عن ذلك تسقط عني، لأن الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؟ أم تبقى في ذمتي؟ وهل توضع في ميزان سيئاتي يوم القيامة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن تاب توبة نصوحا صادقة مستوفية لشروطها، فإن الله يمحو عنه ذنبه الذي تاب منه مهما كان عظيما حتى لو كان الشرك بالله، وكل الذنوب إذا تاب العبد منها تاب الله عليه لا يستثنى من ذلك شيء، كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

وهذه الآية في التائبين، قال ابن كثير رحمه الله: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَعْوَةٌ لِجَمِيعِ الْعُصَاةِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هذه الآية عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ. انتهى.

وأما الكفارات: فلا بد من أدائها إذا كان الذنب مما تجب له الكفارة، ومن الكفارات ما يسقط بالعجز؛ ككفارة الوطء في نهار رمضان عند بعض العلماء، قال في المقنع في كفارة الجماع في نهار رمضان: فإن لم يجد سقطت عنه، وعنه ـ أي عن الإمام أحمد ـ لا تسقط. انتهى.

وكذا كفارة جماع الحائض عند من يوجبها وهم الحنابلة، جاء في الروض مع حاشيته: وتسقط ـ أي كفارة جماع الحائض ـ بعجزه، أي عن الكفارة، ككفارة الوطء في نهار رمضان. انتهى.

ومن الكفارات ما يسقط بالموت؛ ككفارة الظهار عند بعض العلماء، جاء في الموسوعة الفقهية: كفارة الظهار تثبت في ذمة المظاهر حتى يؤديها، فإن مات قبل أن يؤديها سقطت عند الحنفية والمالكية، إلا إذا أوصى بها فتخرج من ثلث التركة عندهما. انتهى.

ومن الكفارات ما يبقى مستقرا في الذمة، فلا يسقط بالعجز، بل لا بد من الإتيان به عند القدرة، وهو الأصل في الكفارات؛ ككفارة اليمين مثلا، وكذا كفارة الظهار عند من لم ير سقوطها بالموت، وكفارة الجماع في نهار رمضان عند من لم ير سقوطها بالإعسار ونحو ذلك، فمن عجز حتى مات أخرج من تركته ما يكفر به عنه، قال البغوي: ولو مات وعليه كفارة يكفر من تركته، سواء أوصى به أو لم يوص. انتهى.

فإن لم تكن له تركة فأمره إلى الله تعالى، والله إذا علم منه صدق التوبة، وأنه ما حال بينه وبين إخراج الكفارة إلا العجز، فالمأمول من كرمه ولطفه أن يتجاوز عنه، فإذا كان عليك كفارات فبادر بأداء ما تستطيعه منها، وكلما استطعت فكفر وهكذا حتى تقضي ما عليك، وعليك أن توصي بما عليك من كفارات حتى إذا أدركك الموت أخرجت تلك الكفارات من تركتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني