الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القطع بخلود من مات كافرًا في نار جهنم ليس من التألي على الله تعالى

السؤال

حصل بيني وبين صديقي حديث، فقال: إن الله قد يرحم بعض الكفار، ويدخلهم الجنة؛ بسبب أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، فقلت له: إن الله لن يدخل هؤلاء الكفار الجنة؛ لأنهم لا يؤمنون بالله، ولا يعملون الأعمال الصالحة لأجله، فقال: إن هذا من التألي على الله، ولعل الله الآن أحبط عملك، وغفر لهم، فذكرت له قول الله تعالى: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين"، فقال لي: إن الله غفر لبغي من بني إسرائيل، وأدخلها الجنة، وهي لا تؤمن بالله ولا برسول؛ لأنها سقت كلبًا، فهل هذا صحيح؟ وأيهما أعظم: الشرك أم التألي، مع أن جميعهم يحبطون العمل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما قلته لصاحبك ليس من التألي على الله، ولكنّه الحقّ الموافق للكتاب والسنة، فقد تظاهرت الأدلة من القرآن والسنة على أنّ من مات كافرًا بالله، لا يدخل الجنة، ولا تشمله رحمة الله في الآخرة، ولا يغفر الله له، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48}.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ـ قال ابن كثير رحمه الله: أَيْ: مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ خَيْرٌ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا فِيمَا يَرَاهُ قُرْبة، كَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعان ـ وَكَانَ يُقْرِي الضيفَ، ويَفُكُّ الْعَانِي، ويُطعم الطَّعَامَ: هَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِن الدَّهْرِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.

وقال السعدي -رحمه الله-: فالذنوب التي دون الشرك، قد جعل الله لمغفرتها أسبابًا كثيرة، كالحسنات الماحية، والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين، ومن فوق ذلك كله رحمته، التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد، وهذا بخلاف الشرك، فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئًا...

وأمّا حديث المرأة البغي التي سقت الكلب، فغفر الله لها، فليس فيه أنها كانت كافرة، وأنّ الله قد غفر لها الكفر، ولكنّها كانت بغيًّا ـ أي: زانية ـ فغفر الله لها الزنا بسقيها الكلب.

وقد بين بعض أهل العلم أنّ ما قامت به تلك المرأة من سقي الكلب، وتغريرها بنفسها؛ رحمة بهذا المخلوق، كان دليلًا على قوة الإيمان، ورسوخ التوحيد في قلبها في ذلك الوقت، فكان ذلك سببًا للمغفرة، قال ابن القيم -رحمه الله-: فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها.

وبخصوص معنى التألي على الله، وحكمه راجع الفتوى رقم: 268282.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني