الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المسابقات التجارية

السؤال

درسنا في مادة الفقه حديث: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر ـ وفهمي له أنه لا عوض في مسابقة إلا في هذه الثلاثة، لكننا أخذنا في الدرس الذي يليه أحكام المسابقات التجارية، وأنها جائزة بشروط، مثل أن يكون صاحب السلعة محتاجًا لها، وغيرها، فكيف يكون لا سبق إلا في هذه الثلاثة، ثم تكون المسابقات التجارية جائزة بهذه الشروط؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية: لا بد من التنبيه على أن دلالة حديث: لا سَبَقَ إلا في خف، أو نصل، أو حافر ـ على حكم المسابقات بأنواعها، محل نظر، وخلاف بين أهل العلم، فقد قسّموا المغالبات -من جهة بذل العوض، والمال فيها- إلى أقسام، فكان المنصوص عليه في هذا الحديث من الأنواع الثلاثة: محل اتفاق بينهم على جوازه، إذا كان العوض من غير المتسابقين، وأما غير هذه الثلاثة، مما لم يرد به النص من المباحات، فهو عندهم نوعان:

النوع الأول: ما هو في معنى ما ورد به النص، وهو ما يستعان به في الجهاد، ويتحقق به ظهور الدين، وتحصل به النكاية بالأعداء، ولهم في هذا النوع قولان:

الأول: لا يجوز بذل العوض في غير ما ورد به النص من المسابقات، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، من المالكية، وقول للشافعية، ومذهب الحنابلة، وابن حزم من الظاهرية، وكثير من السلف والخلف.

القول الثاني: جواز بذل العوض في المسابقة فيما كان موافقًا للمنصوص عليه في المعنى، وهذا القول في الجملة هو مذهب الحنفية.

النوع الثاني: المباحات التي ليست في معنى ما ورد به النص، واختلفوا في بذل العوض في هذا النوع من المسابقات على قولين أيضًا:

الأول: لا يجوز بذل العوض في هذا النوع من المسابقات مطلقًا، وهذا هو المفتى به في المذاهب الفقهية الأربعة، وابن حزم من الظاهرية.

الثاني: يجوز بذل العوض في هذا النوع من المسابقات إذا كان العوض من أجنبي، وحكي هذا قولًا عند المالكية.

وأما الحوافز التجارية الترويجية، فهي نوعان:

الأول: المسابقات التجارية، وهي في اصطلاح التسويقيين: المغالبات التي يقيمها أصحاب السلع، والخدمات؛ لجذب المشترين إلى أسواق، أو متاجر معينة، أو الترويج لسلع، أو خدمات معينة، أو تنشيط المبيعات.

والثاني: الهدايا الترويجية، وهي في اصطلاحهم: ما يمنحه التجار، والباعة للمستهلكين من سلع، أو خدمات، دون عوض مكافأة، أو تشجيعًا، أو تذكيرًا.

والمسابقات لها أنواع كثيرة، وأهم ما ينبني عليه اختلاف أنواعها هو النظر في الآتي:

هل يوجد عمل من المتسابقين أم لا؟ وهل الاشتراك في المسابقة يشترط فيه الشراء أم لا؟ وهل ثمن السلعة أو الخدمة هو سعر المثل، أم يزيد لأجل المسابقة؟ وكذلك الهدايا الترويجية، هي الأخرى ينظر فيها: هل هي لكل مشتر، أم معلقة بشرط أم لا؟ وهل هي سلعة، أم منفعة ـ خدمة-؟ وفي تفصيل ذلك وتخريجه فقهيًّا، خلاف متشعب بين الفقهاء، والباحثين المعاصرين، وسؤال السائلة يتعلق بالمسابقات التجارية، وعلاقته بحديث: لا سبق إلا... وجواب ذلك يختلف بحسب فهم دلالة الحديث، ومعناه، ثم باختلاف نوع المسابقات التجارية، فإنها أنواع متعددة، كما تقدم، وقد ذكرنا عدة صور لها في فتوى سابقة برقم: 3817.

ومما تجدر الإشارة إليه أن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي له قرار في موضوع جوائز المسابقات وبطاقاتها، نصه كالتالي:

أولًا: تعريف المسابقة: المسابقة هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين شخصين، فأكثر، في تحقيق أمر، أو القيام به بعوض ـ جائزة ـ أو بغير عوض ـ جائزة.
ثانيًا: مشروعية المسابقة:

المسابقة بلا عوض ـ جائزة ـ مشروعة في كلّ أمرٍ لم يرد في تحريمه نص، ولم يترتب عليه تركُ واجبٍ، أو فعلُ محرّم.

2ـ المسابقة بعوض جائزة إذا توافرت فيها الضوابط الآتية:

أ‌ ـ أن تكون أهداف المسابقة، ووسائلها، ومجالاتها مشروعة.

ب‌ ـ أن لا يكون العوض ـ الجائزة ـ فيها من جميع المتسابقين.

ج ـ أن تحقّق المسابقة مقصدًا من المقاصد المعتبرة شرعًا.

د‌ ـ أن لا يترتب عليها تركُ واجبٍ، أو فعل محرّم.

ثالثًا: بطاقات ـ كوبونات ـ المسابقات التي تدخل قيمتها، أو جزءٌ منها في مجموع الجوائز، لا تجوز شرعًا؛ لأنها ضربٌ من ضروب الميسر.

رابعًا: المراهنة بين طرفين، فأكثر، على نتيجة فعلٍ لغيرهم في أمورٍ مادية، أو معنوية حرام؛ لعموم الآيات، والأحاديث الواردة في تحريم الميسر.

خامسًا: دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات، غير جائز شرعًا، إذا كان ذلك المبلغ، أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز؛ منعًا لأكل أموال الناس بالباطل.

سادسًا: لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط ـ دون الاستفادة المالية ـ عن طريق المسابقات المشروعة، شريطة أن لا تكون قيمة الجوائز، أو جزء منها من المتسابقين، وأن لا يكون في الترويج غشٌّ، أو خداعٌ، أو خيانةٌ للمستهلكين.

سابعًا: تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز، غير جائزٍ شرعًا.

ثامنًا: بطاقات الفنادق، وشركات الطيران، والمؤسسات التي تمنح نقاطًا تجلبُ منافع مباحة، جائزة إذا كانت مجّانية ـ بغير عوض ـ، وأما إذا كانت بعوضٍ، فإنها غيرُ جائزة؛ لما فيها من الغرر. اهـ.

وهنا ننبه على أن من أجاز المسابقات في غير ما نص عليه الحديث، حملوه على أنه يراد به: أن أحق ما بذل فيه السبق هذه الثلاثة؛ لكمال نفعها، وعموم مصلحتها، فيكون كقوله: لا ربا إلا في النسيئة ـ أي: إن الربا الكامل في النسيئة. انتهى من كتاب الفروسية لابن القيم.

والسبق ـ الجائزة، أو العوض ـ إذا كان مبذولًا من غير المتسابقين، فإنه أقرب إلى عقد الجعالة, والجعالة تجوز في كل عمل مباح، والأصل في المعاملات الحلُّ والإباحة، ما لم يقم دليل التحريم والمنع، ولا دليل هنا يعتمد عليه في منع هذا النوع من المسابقات الترغيبية، وما ذكر من شروط للإباحة، إنما هو احتراز من قيام أسباب التحريم من القمار، وإضاعة المال.

وعلى أية حال؛ فصور وأنواع الحوافز الترغيبية، والمسابقات التجارية، والتروجية كثيرة، ومتشعبة، ويحتاج التفصيل فيها إلى كلام كثير، وذلك لا يتيسر لنا هنا.

وللوقوف على ذلك يمكن الرجوع إلى إحدى الرسائل العلمية في هذا الموضوع، وهي كثيرة، منها: كتاب الشيخ خالد المصلح ـ الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي ـ ومنها كتاب الدكتور سعد الشثري ـ المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية ـ وكلاهما متوفر على الإنترنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني