الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفارق بين نشوز الزوجة ونشوز الزوج والعلاج المشرع

السؤال

بالنسبة للزوج إذا نشزت الزوجة فإنه يطبق المراحل الأربعة: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح، ثم التحكيم، لكن بالنسبة إلى الزوج إذا نشز فإن الآية الوحيدة التي تتكلم عن ذلك هي آية الصلح وتفسيرها كالتالي: عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ـ قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ أَلَّا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ وَوَلَدٌ، فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي ـ متفق عليه، فإذا نشزت الزوجة تطبق المراحل الأربع، وإذا نشز الزوج يطبق الصلح بأن تتنازل عن شيء من حقها له، لا أتهم الشرع بعدم العدل، ولكن، أليس هناك تفريق بين الزوج والزوجة بحيث إذا نشزت الزوجة فهناك طرق فعالة معها بينما إذا نشز الزوج فيجب أن تتنازل؟ فأين العدل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالشريعة جاءت بأحكام وآداب تحفظ حق كل من الزوجين، وتضمن لهما حياة زوجية كريمة، وجعلت لكل منهما من هذه الأحكام ما يناسب فطرته وموقعه في العلاقة الزوجية، فشرع للزوج عند نشوز زوجته وسائل تقويمها المذكورة في الآية لما خصّ الله به الزوج من القوامة وما انفرد به من الخصائص، جاء في كتاب تفسير آيات الأحكام للسايس:
1ـ قد علمت أنّ الله جعل الرجال قوامين على النساء، فالرجل راعي المرأة ورئيسها المهيمن عليها، ومن قضية ذلك ألا يكون للمرؤوس معاقبة رئيسه، وإلا انقلب الأمر، وضاعت هيمنة الرئيس.

2ـ أنّ الله فضل الرجال على النساء في العقل والدين، ومن قضية ذلك ألا يكون نشوز من الرجل إلا لسبب قاهر، ولكن المرأة لنقصان عقلها ودينها يكثر منها النشوز لأقل شيء، وتتوهمه سببا، فلا جرم جعل الله لنشوزهن عقوبة حتى يرتدعن، ويحسنّ حالهن، وأنّ في مساق الآيتين ما يرشد إلى أنّ النشوز في النساء كثير، وفي الرجال قليل، ففي نشوز المرأة عبر باسم الموصول المجموع إشارة إلى أنّ النشوز محقق في جماعتهن، وفي نشوز الرجل عبر بإن التي للشك، وبصيغة الإفراد، وجعل الناشز بعلا وسيدا مهما كان، كل ذلك يشير إلى أنّ النشوز في الرجال غير محقق، وأنه مبنيّ على الفرض والتقدير، وأنه إذا فرض وقوعه فإنما يكون من واحد لا من جماعة، وأن ذلك الواحد على كل حال سيد زوجته.

أنّ نشوز الرجل أمارة من أمارات الكراهة وإرادة الفرقة، وإذا كان الله قد جعل له حق الفرقة ولم يجعل للمرأة عليه سبيلا إذا هو أراد فرقتها، فأولى ألا يجعل لها عليه سبيلا إذا بدت منه أمارات هذه الفرقة.

وأما حق الزوجة عند ظلم الرجل لها وتضييعه حقوقها فهو مكفول لها عند القضاء، فلها أن ترفعه إلى القاضي ليمنعه من ظلمها ويعطيها حقوقها، كما فصل الفقهاء ذلك في كتبهم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء إلى أن الزوج لو تعدى على زوجته فإن الحاكم أو القاضي يكفه عن ذلك، ونص جمهور الفقهاء على أن للقاضي أو الحاكم أن يعزر الزوج، ولهم بعد ذلك تفصيل: قال الحنفية: لو كانت الزوجة في منزل الزوج وليس معها أحد يساكنها، فشكت إلى القاضي أن الزوج يضربها ويؤذيها، سأل القاضي جيرانها، فإن أخبروا بما قالت ـ وهم قوم صالحون ـ فالقاضي يؤدبه ويأمره بأن يحسن إليها، ويأمر جيرانه أن يتفحصوا عنها، وإن لم يكن الجيران قوما صالحين أمره القاضي أن يحولها إلى جيران صالحين، فإن أخبروا القاضي بخلاف ما قالت أقرها هناك ولم يحولها، وقال المالكية: لو تعدى الزوج على الزوجة لغير موجب شرعي بضرب أو سب ونحوه، وثبت ببينة أو إقرار زجره الحاكم بوعظ فتهديد، فإن لم ينزجر بالوعظ ضربه إن ظن إفادته في زجره ومنعه، وإلا فلا، وهذا إذا اختارت البقاء معه، فإن لم يثبت، وعظه فقط دون ضرب، وقال الشافعية: لو منع الرجل امرأته حقا لها كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته إذا طلبته لعجزها عنه. انتهى.

واعلم أنّ النشوز المذكور في قوله تعالى:.. وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء: 34} غير النشوز المذكور في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء: 128 } كما بينته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والصلح المذكور في هذه الآية ليس واجباً، ولكنه مباح في حال خوف الزوجة من مفارقة زوجها لها رغم كونه قائماً بحقها غير ظالم لها إلا أنّه لم يعد راغباً فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني