الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف البنت من والديها إذا اعترضا على تمسكها بدينها

السؤال

أعيش في بلد عربي يستخفّ جدا بالاختلاط في جميع المجالات، ويضيّق الخناق على النقاب ومن ترتدينه.
كثيرا ما مال والداي إلى التّحكّم في حياتي، وكنت مطيعة لا أرى طريقا غير الذي يرسمونه لي، بل لا أتكبّد حتى عناء التفكير فيما أريده حقا طالما أن الأمر محسوم.
في مرحلة انتقالي إلى الجامعة، أخذت خطوات نحو التغيير؛ إذ هداني الله، فطالبت بحقوقي في الحجاب، والمحافظة على الصلاة في وقتها. تغيرت حياتي منذ ذلك الحين، وصارت صراعا للحفاظ على الفطرة تحت حكم والديّ، اللذين يعارضان بشدّة اختياراتي الطبيعية، وحاجياتي الفطرية التي إذا تبعتها نجوت بديني.
حاولت ترك الدراسة بسبب فتنة الاختلاط، وميوعة الأخلاق. والتفرغ للعلم الشرعي، فعارضاني بشدّة، وأعطياني أملا بالسماح لي بدراسة العلم الشرعي إثر أخذي للشهادة.
أخذت الشهادة، وأرسلوني أعمل في مدينة أخرى، كنت أريد ترك العمل، لا مجال لذلك مع والديّ، تزوّجت بشخص كنت متردّدة بشأنه، وحسم قبولي به سعادة والديّ به، رغم إعلامي لهما قبل حفل الزواج بانقباضي ورغبتي في التّروّي والتأجيل أو الإلغاء، حتى أنظر أكثر في أمره، إلا أن الأمر تم سريعا كالحلم، ولم أجدني إلاّ أعيش مع شخص لا تناسب بيني وبينه فكريا، ولا على مستوى الطبع. كان الطلاق بعد أشهر قليلة. تقدّم لي شخص آخر، قبلته بلا تردّد؛ لأني رأيت فيه ما فقدته سابقا من توافق وانسجام على مستوى المبادئ والطباع، والتوجّه الحياتي.
أنا حاليا في فترة العقد، زوجي غيور، ويشجعني على لبس النقاب، وتجنب الاختلاط وأنا سعيدة بذلك، وأريد بشدّة ترك العمل، لبس النقاب، والتفرغ للعلم الشرعي.
والداي يعارضان بشدّة تركي للعمل، بحجة أن زوجي دخله بسيط، فهو تاجر مبتدئ، ولا يزال الطريق أمامه طويلا حتى ينمّي كسبه، يخشيان عليّ ضيق العيش والحرمان بعد سعة. والحال أني أراني سأنتقل من ضيق وكدر نفسي وروحي، إلى سعة بتركي ما أودّ تركه لله.
أنا وحدي تقريبا ضدّ التّيّار، العائلة والمجتمع. كيف أتعامل مع والديّ وضغوطاتهما؟
أشيروا عليّ رحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجعل الله لك من أمرك يسرا، وزادك الله على الخير حرصا.
ثم اعلمي أن الدنيا دار ابتلاء ومحنة، ينظر الله فيها إلى عباده: من يؤثر مرضاته ويجتهد في طاعته؟ ومن يؤثر دنياه على آخرته؟ ولكل واحد من الصنفين عمله وجزاؤه، ولا يظهر هذا إلا يوم الحساب، كما قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى. فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 34 - 41]. وفي هذا اليوم يتذكر الإنسان بعد فوات الأوان، ويتمنى الظالم لنفسه أن يكون ممن قدم لنفسه، وأعدها للقاء الله عز وجل، قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 23، 24].
والمقصود أن يوم الجزاء وساعة الحساب، والاستعداد لذلك هو الذي يهون على المسلم سلوك سبيل الآخرة، والصبر على مخالفة الهوى، ويعينه أن يستقيم على صراط الله المستقيم، برغم المعوقات والمثبطات والملهيات! وتعظم الحاجة إلى ذلك في زمن غربة الدين، وقلة الصالحين، فطوبى للغرباء. وراجعي في ذلك الفتويين: 299164، 345412.
وأما بالنسبة للوالدين، فحقهما في البر والإحسان إليهما من جملة الأوامر الشرعية، والحقوق المرعية، وإن أساءا وظلما! ولكن ذلك لا يعني طاعتهما في أمر محرم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فعلى الأخت السائلة أن تستعين بالله على طاعته، وتحسن إلى والديها بقدر إمكانها دون أن تعصي الله تعالى، وأن تجتهد في الدعاء لنفسها ولوالديها بالهداية والتوفيق، وأن تكون بحسن خلقها وجميل تعاملها قدوة طيبة في عائلتها، وأن تلتمس الحكمة والموعظة الحسنة في دعوتها إلى الله تعالى، وبيان الأحكام الشرعية، ولا سيما مع والديها، فإنهما أعظم الناس حقا عليها، وليسا هما كبقية الناس.

قال القرافي في الفروق: الوالدان يؤمران بالمعروف، وينهيان عن المنكر، قال مالك: ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة. انتهى.
وجاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر. وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.

وراجعي للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 231238، 318463، 107331.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني