الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل معنى بر الوالدين رضاهما أم عدم التقصير معهما ولو لم يرضيا؟

السؤال

أبي مسن، ويعيش مع والدتي المريضة بجلطة أفقدتها القدرة على تحريك يدها وقدمها اليسرى، في منزل أعددته لهما بجوار عملي، وأحضرت لهما من يرعاهما، ويقوم على خدمتهما بعد عدة تجارب من وجود أمي عندي أو عند أختي، حيث لم تكن تشعر بالراحة حينها، وكان أبي وحيدًا في منزله، يقوم على خدمته شخص لا ينتظم في مواعيده ووضعهما الآن أفضل ـ والحمد لله ـ ، وأنا الذي أذهب إليهما دائمًا حين يحدث أي ظرف، مثل غياب الجليسة، أو تركها العمل، إلى حين إحضار أخرى، دون إخوتي، ولي ٣ إخوة، وأخت واحدة، وأقوم مع زوجتي ـ بارك الله فيها ـ بخدمتهما، وأحيانًا يأتيان بأفعال تثيرني جدًّا حتى أغادر دون أن أسلم عليهما، فأنا الملام دائمًا دون إخوتي الذين لا يأتون إلا مرتين في الشهر لمدة نصف ساعة، وإخوتي الذين لا يأتون غير مغضوب عليهم مثلي، فهل أفعل مثل إخوتي، مع أنني أخاف عليهما من عدم قدرتهما على الحركة، وأخاف أن يصيبهما سوء وأنا بعيد؟ وهل البر يعني أن يكونوا راضين أم يعني أنني لا أقصر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فخدمة الوالدين الكبيرين واجبة على أولادهما بالمعروف، قال ابن مفلح -رحمه الله-: ومن حقوقهما: خدمتهما إذا احتاجا، أو أحدهما إلى خدمة، وإجابة دعوتهما، وامتثال أمرهما، ما لم يكن معصية -على ما مر-، والتكلم معهما باللين.

فإذا كان لك إخوة وأخت، فالخدمة على الجميع، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 127286.

وعليه؛ فيجوز لك أن تطالب إخوتك بالتناوب معك على خدمة الوالدين، فإن امتنعوا، فلا يجوز لك ترك والديك دون رعاية كافية.

والذي ننصحك به ما دمت قادرًا على القيام برعاية والديك ومعك زوجتك ـ جزاها الله خيرًا ـ ألّا تفوت هذه الفرصة، وألّا تضيع هذا الأجر العظيم، فلا ريب أنّ برّك بوالديك وخدمتهما وهما في حال الكبر والمرض، عمل من أعظم الأعمال، ومن أفضل القربات التي يحبها الله، ويثيب عليها أعظم الثواب، وهو من أعظم أسباب رضوان الله وتوفيقه لك، وهو باب من أبواب الجهاد في سبيل الله، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ: رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. متفق عليه.

فهنيئًا لك بهذا العمل الجليل الذي هيأك الله له، وتلك الفرصة التي خصّك الله بها، فإن أحسنت استغلالها، كانت سببًا لسعادتك في الدنيا والآخرة.

وإذا كان والداك يغضبانك، ويقسوان عليك أحيانًا، فاصبر على ذلك، واحتسب الأجر، ولا تقابل ذلك إلا بالإحسان، والحلم، والتواضع، والتوقير.

واعلم أنّ سلوكهما معك على هذا النحو دون إخوتك، قد يكون في الغالب دليلًا على فرط محبتهما لك، ومزيد ثقتهما فيك، وحسن ظنهما بك، فهما يرجوان منك ما لا يرجوان من غيرك من الإخوة، فاستعن بالله، ولا تعجز، ولا تضجر، واستحضر عظم الأجر، يهن عليك الصبر.

وإذا قمت بما يجب عليك من البرّ، والرعاية، والإحسان لهما، فلا يضرك ـ إن شاء الله ـ عدم رضاهما عنك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني