الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام خروج الزوجة بدون إذن زوجها والأولاد دون إذن أبيهم

السؤال

أنا شاب عمري 22 سنة، تركت الدراسة الجامعية في كلية الشريعة بسبب والدي، وبدأت أعمل حرا، والحمد لله رزقني الله أموالا طائلة في السنة الأولى من العمل الحر. وقررت أنا ووالدتي وإخواني الخروج من منزل والدي، والذهاب بعيدا، بحثا عن منزل جديد، ومتنفس جديد، بعيدا عن الضجيج والصراخ اليومي من قبل والدي.
دائما ما يشتم والدتي، وفي بعض الأحيان يضربها ضربا دمويا، ودائما ما يريد طردها من بيته، وهي لم تستطع الخروج بسبب أنه ليس عندها مال، والآن رزقني الله إياه، ونريد الخروج من منزله بدون إخباره، رفقة إخواني ووالدتي، ونذهب بعيدا عنه، ونحقق له حلمه الذي لا طالما أراد تحقيقه.
قبل سنة لم يكن في جيبي ولو درهم، كان يحتقرني ويستفزني، وكلمات رديئة يوميا، وأنا لم أفعل له شيئا.
بسبب الإهانة الشديدة دُمرت نفسيا وجسميا، وكنت دائما في الخطر في المستعجلات لمدة شهور وشهور، وكنت سأفقد عقلي بسببه، وبسبب إهانته الشديدة لي ولوالدتي. وأتذكر أيضا الضرب الشديد الذي كنت أتعرض له لما كنت صغيرا حتى 18 سنة. كان يغمى علي بالضرب، يعني ضربا شديد جدا، ومرضت مرضا نفسيا في طفولتي 5 سنوات، كان يغمى علي بسبب الخوف الشديد والارتجاف منه، وأصبحت أخاف في الشارع من كل شخص خوفا شديدا، أخاف من أي شخص. وحتى في دراستي من الابتدائي إلى الباكالوريا، لم أكن أتحدث في القسم ولا في الشارع، كأنني جماد بسبب الخوف، رغم أن نتائجي حسنة، وحتى في الأعياد السب والشتم والضرب، ولكن يبقى والدي والمسامح كريم، لا تهمني تلك الأيام. ولكن حاليا يضغط على والدتي كل يوم بالسب والشتم والإهانة، ويريد طردها من المنزل، وهي لم تفعل له شيئا، ولا يتركها تخرج من البيت، منذ سنوات لم تزر والديها، لدرجة أنها لم تذهب إلى جيرانها منذ سنة أو أكثر، يعني كأنها في السجن، ويهددها دائما ويسيطر عليها سيطرة كلية، ويمنع عليها زيارة والديها إلى الموت نهائيا.
للإشارة والدي يفعل أمورا إيجابية: يؤذن في المسجد، ويصلي الصلوات الخمس في المسجد، ويتعامل مع الناس بشكل مهذب. والطامة الكبرى يتعاطى المخدرات، ويدخن ويشرب، والقمار و....ناهيك عن المعاملة الطاغية في المنزل، يتحول كوحش آدمي لدرجة أنه كان يضرب أخي وهو رضيع في شهره الأول و........................
كنت أعاني منذ ولادتي إلى 21 سنة من ضيق شديد في الصدر مثل الربو، وألم في القلب وفي القولون: ألم شديد، وصرع والرجفة، وألم العروق وغيرها من المعاناة. ولكن بعد كل تلك السنوات، اكتشفت أنني لم أكن مريض جسمانيا، بل حالتي النفسية هي ما أدت بي إلى كل تلك المعاناة الجسمية، وحاليا هناك تحسن كبير والحمد لله. ذهب الضيق والألم، في بعض الأحيان يعود قليلا، أحاول التغلب عليه والسيطرة على نفسي.
السؤال الأول هو: هل يحق لي أن أذهب أنا ووالدتي وإخواني بدون إخباره!!
السؤال الثاني: هل يحق له منع زوجته -أي والدتي- من زيارة والديها مدى الحياة، وقال لها إذا أردت زيارة والديك اذهبي ولن تعودي نهائيا!!
أنا سامحته على كل ما فعله بنا، وحتى إن ذهبنا من حوله سوف أعود لزيارته في كل فترة سمحت لي الظروف.
نهاركم مبارك سعيد، وعذرا عن عدم تناسق الموضوع.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يفرج همكم، وينفس كربكم، ويصلح حال والدكم، وهو إن كان حقا على الحال الذي ذكرته، فهو قد جمع جملة من الشرور، بتفريطه في حق ربه، وفي حق خلقه.

ومن أولى ما نوصيكم به هو الدعاء له، فالله عز وجل قادر على أن يصلحه، ويهديه الصراط المستقيم، ويقيه شر نفسه وسيء عمله، وهو سبحانه السميع المجيب، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}، وكلما روعي في الدعاء شروطه وآدابه، كان ذلك أرجى للإجابة، وراجع هذه الشروط والآداب، في الفتوى رقم: 119608.

ونوصي أيضا ببذل النصح له، وليكن ذلك ممن يرجى أن يقبل قوله من العلماء والفضلاء؛ ليذكروه بالله تعالى، ويخوفوه من سوء عاقبة فعاله.

وينبغي أن يستغل ما ذكرت عنه من أمور طيبة كالأذان في المسجد، ومحافظته على الصلوات الخمس، ويبين له أنه ينبغي أن يكون لهذه الأعمال الجليلة أثر على سلوكه؛ لكونها تثمر التقوى والخوف من الله عز وجل، كما قال تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45}.

والأصل أنه لا يجوز لأمك الخروج من البيت بغير إذن منه، ولكن إن وجدت ضرورة لذلك، ومن ذلك دفع أذاه عنها، فلا حرج في خروجها بغير إذنه.

ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: يرى جمهور الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزوجية بلا إذن الزوج، إن كانت لها نازلة.......... وكذا إن ضربها ضربا مبرحا.... اهـ.

وكذا إخراج الصغار من أولاده إن تعين سبيلا لدفع أذاه. وأما البالغ، فله الخروج ولو أنثى، حيث كانت في مأمن.

ففي المدونة: قلت: أريت إذا احتلم الغلام، أيكون للوالد أن يمنعه أن يذهب حيث شاء؟ قال: قال مالك: إذا احتلم الغلام، فله أن يذهب حيث شاء، وليس للوالد أن يمنعه. اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وتسكن البالغة، العاقلة، غير الُمزوَّجَة حيث شاءت، ولو بكرا، والأولى لها بيت أحد أبويهما إن كانا مفترقين، وبيتهما إن كانا مجتمعين، أي سكناها به؛ لأنه أبعد عن التهمة. اهـ.

وهنالك خلاف بين الفقهاء في حكم منع الرجل زوجته من زيارة والديها، وقد أوضحناه في الفتوى رقم: 140257.

وعلى كل، لا ينبغي له أن يمنعها لغير معنى معتبر شرعا؛ لأنه بذلك يكون معينا على قطيعة الرحم.
وقد أحسنت بمسامحتك لوالدك فيما بدر منه تجاهك، ولا شك في أن هذا من البر. وصلتكم به واجبة على كل حال، سكنتم معه، أو بعيدا عنه، وتكون الصلة بما هو ممكن، فالمرجع في صلة الرحم إلى العرف، كما بين العلماء، وانظر الفتوى رقم: 222433.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني