الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا ممرض، وقد ابتلاني الله بالعمل عند مريض كافر أقوم بكل شؤونه، ومنها تغيير ملابسه، وغير ذلك من الأعمال، مع العلم أن لي مكانة، ولا إهانة لي في عملي، فهل هذا العمل حرام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه لا حرج في هذا إن كنت تعمل في مستشفى عام، وكان هذا المريض محجوزًا في المستشفى، وعليك أن تغض بصرك عما لا تحتاج له من نظر عورته، وأن لا تمس عورته بشكل مباشر ما أمكن.

وأما إن كنت أجيرًا خاصًّا تقوم بخدمته، فإن عملك المذكور مختلف في حكمه, جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم، واتفقوا كذلك على جواز أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب، وبناء دار، وزراعة أرض، وغير ذلك؛ لأن عليًّا ـ رضي الله عنه ـ أجّر نفسه من يهودي، يسقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم ينكره، ولأن الأجير في الذمة يمكنه تحصيل العمل بغيره.

كما اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر لعمل لا يجوز له فعله، كعصر الخمر، ورعي الخنازير، وما أشبه ذلك.

واختلفوا في حكم خدمة المسلم للكافر بإجارة، أو إعارة، أو غير ذلك:

فذهب الحنفية إلى جواز ذلك؛ لأنه عقد معاوضة، فيجوز، كالبيع، ولكن يكره للمسلم خدمة الكافر؛ لأن الاستخدام استذلال، فكان إجارة المسلم نفسه منه إذلالًا لنفسه، وليس للمسلم أن يذل نفسه بخدمة الكافر.

وأما المالكية: فقد ذكر ابن رشد: أن إجارة المسلم نفسه من النصراني، واليهودي على أربعة أقسام: جائزة، ومكروهة، ومحظورة، وحرام، فالجائزة هي: أن يعمل المسلم للكافر عملًا في بيت نفسه، كالصانع الذي يصنع للناس. والمكروهة: أن يستبد الكافر بجميع عمل المسلم من غير أن يكون تحت يده، مثل أن يكون مقارضًا له، أو مساقيًا. والمحظورة: أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل يكون فيه تحت يده، كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة لترضع له ابنه، وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكان له الأجرة. والحرام: أن يؤجر نفسه منه فيما لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير، فهذه تفسخ قبل العمل، فإن فاتت تصدق بالأجرة على المساكين.

وذهب الشافعية إلى حرمة خدمة المسلم للكافر خدمة مباشرة، كصب الماء على يديه، وتقديم نعل له، وإزالة قاذوراته، أو غير مباشرة، كإرساله في حوائجه، سواء كان ذلك بعقد، أو بغير عقد؛ لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا ـ ولصيانة المسلم عن الإذلال والامتهان، ولكن يجوز إعارة المسلم، أو إجارته للكافر مع الكراهة، وفي إجارة المسلم للكافر يؤمر بإزالة يده عنه، بأن يؤجره لغيره، ولا يمكن من استخدامه، وقيل: بحرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر، واختاره السبكي.

وذهب الحنابلة على الرواية الصحيحة إلى حرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر لأجل الخدمة؛ لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا ـ ولأنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر، وإذلاله له، وفي الرواية الأخرى: يجوز ذلك، قيل: مع الكراهة، وقيل: بدونها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني