الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الشهادات الطبية للمرضى

السؤال

أعمل طبيبا نفسيا، ومن مهامي إعطاء شهادات للراحة، على حسب ما استنتجته من المريض.
لكنني لا أستطيع أن أجزم أن ما يقوله هو الصدق. هل يعتبر ذلك شهادة زور؟
شكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المحرم هو أن يتعمد الطبيب إعطاء شهادات الراحة، لمن يعلم، أو يغلب على ظنه أنه لا يستحقها، وهذا من الزور.

وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم الشهادات الطبية التي يأخذها المسلم من طبيب ما؛ لتبرير غيابه عن الشغل بسبب مرض، والحق أنه إنما استصدر تلك الشهادة لتغطية غيابه لزيارة أهله بتونس والجزائر، وما لم يدل بهذه الشهادة، فهو لا يقبل له عذر، ويفصل عن العمل، ويخصم مرتبه؟
فأجابت: حكم هذه الشهادات التحريم؛ لأنها كذب وزور، قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ "-ثلاثا- "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، قال الراوي: وكان متكئا فجلس، فقال: " ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت». اهـ.

وأما إن اجتهد الطبيب، وأصدر شهادة للمريض وفق الطريقة المعتمدة عند الأطباء، بناء على غالب ظنه، وما ظهر له من حال المريض، وكان الحق في نفس الأمر بخلاف ذلك، فلا مؤاخذة عليه -إن شاء الله-؛ فإن الخطأ مرفوع إثمه عن العباد، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.

قال ابن كثير: فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: قد فعلت". وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر". وفي الحديث الآخر: "إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما يكرهون عليه". وقال هاهنا: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما} أي: وإنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}.اهـ.

وإذا احتال المريض واستطاع أن يقنع الطبيب، ويظهر سببا غير حقيقي، فأعطاه الطبيب إجازة بناء على ذلك، فالإثم في هذه الحالة على المريض، وليس على الطبيب، نظير ذلك ما ثبت في الصحيحين عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلاَ يَأْخُذْهَا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني