الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يقوم المركز الإسلامي مقام الولي في عقد النكاح إذا تعذر الوصول إليه

السؤال

بِسْم الله الرحمن الرحيم
أرجو منكم فتوى نصية في موضوع الزواج في مثل هذه الحالات.
أنا رجل مسلم، أبلغ من العمر 33 عاما. تقدمت لطلب الزواج من فتاة مُسلّمة، تبلغ من العمر 22 عاما، ونعيش كلانا في بلاد الغرب منذ 7 سنوات.
والدا الفتاة مطلقان منذ فترة طويلة، عندما كانت الفتاة في سن صغير جدا، وعندما سألت عن سبب طلاق والدها لأمها، أجابت بأن والدها سافر إلى دولة أوربية، وكان غير ملتزم دينياً وأخلاقيا. وبعد ذلك انفصلا، وتربت الفتاة مع أمها في بيت جدها، وكان محافظا دينياً وأخلاقيا حسب قولها. وبعد سنوات سافروا إلى بلد عربي بسبب الحرب، وأقاموا هناك ما يقارب أربع سنوات. وخلال هذه الفترة جاء أبوها لزيارة أهله الذين كانوا متواجدين في نفس البلد وجاء لزيارة ابنته، وبعدها طالب بابنته. وتحت التهديدات المتواصلة لأمها تنازلت عن الحضانة، وأخذ الأب الفتاة، وبعدها تزوجت الأم، وعادت من حيث أتت، وتركت البنت تعيش مع أبيها وبيت جدها. وعاشت البنت مع أبيها وكانت تبلغ من العمر 11 سنة، وكان أبوها يعدها بأن يأخذها معه إلى أوربا. وكانت محجبة، وكان هذا الشيء يزعج والدها، وكان يأمرها بخلع حجابها، وكانت ترفض، وبعدها بدأ الأب يتحرش بها جنسياً، كانت ترفض طلباته وتبكي، كان يضربها لعدم طاعته، وكان يهددها بأنها إذا أخبرت أحدا بهذا الأمر سيعاقبها، وأن لا أحد يستطيع فعل شيء؛ لأن الحضانة معهُ. وبعدها سافر وعاد مرةً أخرى، وتكررت نفس الأمور، واشتكت البنت إلى بقية أهلها ولَم يصدقوا هذا، وسافر الأب مرةً أخرى، وعاد بعد فترة زمنية وتكررت نفس الأمور وأكثر، كانت ترفض؛ فيقابلها بالضرب والكلام البذيء، وينتهي الأمر هكذا. وحسب قولها لم يمس عذريتها، وبعدها تم قبول الفتاة وبيت جدها وأمها في بلد غربي عن طريق اللجوء. وفِي هذه المرحلة طلقت أمها، وسافرت معهم. وبعدها عانت الفتاة ما عانت من حالة نفسية بسبب والديها. ولكن هذه الفتاة بقيت ملتزمة باللباس الشرعي، ومحافظة رغم كل الفتن الموجودة هنا. وقبل سنتين تزوجت أمها من رجل ثالث في الترتيب، والزواج مستمر لحد الآن. ومنذ سنة تقريبا خطبت هذه الفتاة، وفسخت الخطبة لعدة أسباب منها موضوع والديها، ومنها عدم التدبير وكثرة التبذير، وقلة الوعي وغير طموحة، ولكن الفتاة ملتزما نوعا ما، ولباسها شرعي، وجميلة ومطيعة. وبعد فترة من الفتور في العلاقة عدنا للاتصال تحت مسمى معالجة الأمور، ولكن انتظرت الاتصال بوالدها 3 أشهر ولَم يجدوه أو رقم هاتفه؛ لكثرة أسفاره. وسألنا عن عدم وجود الولي في النكاح، أجابوا بأنه يصح بأن ترفع الأمر إلى المراكز الإسلامية، وبموجب ذلك تقوم مقام الولي في عقد النكاح؛ لأن الولي شبه مفقود، والعلاقة مقطوعة منذ فترة طويلة بين الطرفين، والفتاة لا يوجد لديها أخ، وعمها متوفى، وجدها كذلك.
أنا في حيرة من أمري، ودعوت دعاء الاستخارة مع الصلاة أكثر من مرة، ولَم أستطيع اتخاذ قرار. علماً أني شاهدت كل حلقاتكم عن الدورة التأهيلية للزواج، وكذلك قرأت بعض الأحاديث والحكم في مثل هذا الأمر. ووقفت عند الحديث الضعيف كما يقول الكثير عن خضراء الدمن. والعرق دساس. تخيروا لنطفكم. علماً أن الحديث الأول يتكلم عن المرأة الحسناء وليس الصالحة، وفِي المقابل يقول القرآن الكريم: بِسْم الله الرحمن الرحيم (ولا تزر وازرة ورز أخرى) صدق الله العظيم.
أفتوني من فضلكم في هذا الأمر حتى لا أكون ظَالِما ولا مظلوما.
وجزاكم الله خير الجزاء، وثبتنا وإياكم على العمل الصالح.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنّه لا يصح لغير الولي الأقرب التزويج، لكن إن كان الوصول إلى والد الفتاة متعذراً، ولم يكن لها ولي غيره يصلح لتزويجها، فيجوز أن يزوجها الحاكم.

جاء في دليل الطالب لنيل المطالب: فلو زوج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر للأقرب، لم يصح. ومن العذر غيبة الولي فوق مسافة قصر، أو تجهل المسافة، أو يجهل مكانه مع قربه. اهـ.

وإذا لم يكن بالبلد قضاء شرعي، فإنّ المركز الإسلامي يقوم مقامه.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الأصل في ولاية النكاح أنها للأب، ثم للعصبة الأقرب فالأقرب، فإذا عدموا، أو كانوا ليسوا أهلا للولاية لأي مانع من الموانع، أو امتنعوا بغير حق، انتقلت الولاية إلى الحاكم المسلم، أو من ينيبه، فإن لم يوجد حاكم مسلم ولا قاض مسلم؛ فإن رئيس المركز الإسلامي يكون وليا في هذه الحال. اهـ.
ونصيحتنا لك إن كان الظاهر من حال الفتاة الصلاح أن تتزوجها، وتكون عوناً لها على طاعة الله، وعوضاً لها عما فقدته من رعاية الأبوين وحنانهما، ولا يمنعك من زواجها ما ذكرت عن نشأتها وسوء حال والدها، فالأصل في الشرع أن أحداً لا يحمل ذنب أحد، ولا يؤاخذ بجريرة غيره.

وبخصوص الأحاديث التي ذكرتها، فقد سبق لنا الكلام عنها وبيان عدم معارضتها لهذه القاعدة، على فرض ثبوتها، وانظر الفتوى رقم: 133453، والفتوى رقم: 126839.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني