الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم شراء ولبس ساعة فيها قطع من الذهب

السؤال

أريد شراء ساعة تحتوي على مسامير في الإطار الخارجي مصنوع من الذهب الأبيض، وكذلك عقارب الساعة؛ وذلك للحماية من أي تغيير للمعدن مع الزمن.
كذلك تحتوي ماكينتها على جزء من الذهب الخالص، وذلك قد يكون للسبب المذكور بالأعلى وللزينة.
لقد راجعت الفتاوى المشابهة، وقد وجدت أنه إذا كان الذهب تابعا وليس الأصل في الشيء؛ فإنه قد يجوز. كذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذهب للرجال إلا مقطعا.
نرجو الإفادة في هذا الموضوع المحدد.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان المقصود بالذهب الأبيض المعدن المعروف بالبلاتين، فإنه لا حرج على الرجال في التحلي به أبدا؛ لأنه ليس ذهبا حقيقة، وإن سُمي ذهبا أبيض؛ فالعبرة بالمسمى والحقيقة لا بمجرد الاسم.
وأما إن كان المراد بالذهب الأبيض، هو الذي أصله الذهب الأصفر المعروف، ولكنه عولج أو طلي بمادة أخرى حتى تغير لونه وصار أبيض؛ فإنه يعتبر ذهبا حقيقة، ومعالجته وخلطه بغيره لا يخرجه عن حكم الذهب، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 182349.

وأما حكم تحلي الرجل بالذهب: فالأصل أن الذهب محرم على الرجال، لكن رخص بعض العلماء في الذهب اليسير التابع.

قال ابن تيمية: وفي يسير الذهب في (باب اللباس) عن أحمد أقوال:

أحدها: الرخصة مطلقا؛ لحديث معاوية: {نهى عن الذهب إلا مقطعا}. ولعل هذا القول أقوى من غيره، وهو قول أبي بكر.

والثاني: الرخصة في السلاح فقط.

والثالث: في السيف خاصة، وفيه وجه بتحريمه مطلقا؛ لحديث أسماء: {لا يباح الذهب ولا خَرْبَصِيصَة}، والخريصة عين الجرادة، لكن هذا قد يحمل على الذهب المفرد دون التابع؛ ولا ريب أن هذا محرم عند الأئمة الأربعة؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خاتم الذهب؛ وإن كان قد لبسه من الصحابة من لم يبلغه النهي. ولهذا فرق أحمد وغيره بين يسير الحرير مفردا كالتكة، فنهى عنه؛ وبين يسيره تبعا كالعلم؛ إذ الاستثناء وقع في هذا النوع فقط. فكما يفرق في الرخصة بين اليسير والكثير: فيفرق بين التابع والمفرد، ويحمل حديث معاوية " إلا مقطعا " على التابع لغيره. اهـ.

وجاء في الشرح الممتع لابن عثيمين: إذا كانت الساعة ليست ذهباً ولا مطلية به، لكن في آلاتها شيء من الذهب هل تجوز؟

الجواب: نعم لا بأس به؛ لأنه إذا كان في الآلات الداخلية، فإنه لا يرى ولا يعلم به، وإن كان في الآلات الخارجية كالعقرب مثلاً؛ فإنه يصير تابعاً فلا يضر.

ولكن يبقى النظر، هل يجوز للإنسان أن يشتري ساعة فيها قطع من الذهب؟
الجواب: فيه تفصيل: إذا كان لباس مثله لها يعتبر إسرافاً، دخلت في حد الإسراف، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

وقلنا: هذا ليس لباس مثلك، وإذا كان لا يعد إسرافاً فالأصل الجواز .اهـ.

فالخلاصة أنه لا يظهر حرج في لبس الرجل ساعة فيها أجزاء يسيرة من الذهب، -إلا إن كان شراؤها يعد إسرافا في حق مثله- لكن الأفضل والأسلم هو البعد عن ذلك، احتياطا وخروجا من خلاف العلماء.

قال النووي: فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر .اهـ. من شرح صحيح مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني