الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

علمت أن الحكمة من تحريم الزنا هي منع اختلاط الأنساب، والأطفال الذين يولدون ويشردون، ومع العلم الحديث فقد تم صناعة الأدوية، والواقي الذكري، فهل هذا يحلل الزنا؟ فلو تم صناعة دواء، أو شيء يمنع الحمل مائة بالمائة، فهل حينها يجوز الزنا؟! وإذا كان السبب هو العفة والكرامة، ففي الدول الأجنبية لا يعتبرونه من الفحشاء، ولا يمس العفة، فهل حينها يكون حلالًا في هذا المجتمع؟ أتمنى أن أكون قد أوصلت السؤال بطريقة واضحة، وشكرًا على مجهوداتكم الرائعة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما أشرت إليه في سؤالك من معان -كاختلاط الأنساب، وكثرة اللقطاء، إلى غير ذلك من أمور- فإنها مما التمسه العلماء من حكمة تحريم الزنا، وليست علة لهذا الحكم، فعلة التحريم قد نص عليها رب العالمين سبحانه في كتابه، وهي كون الزنا فاحشة، وطريقًا سيئًا، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32}، وهذا وصف لازم له لا ينفك عنه، قال الجزائري في أيسر التفاسير: لأن الزنا كان في حكم الله فاحشة، أي: خصلة قبيحة شديدة القبح، ممجوجة طبعًا وعقلًا وشرعًا، وساء طريق هذه الفاحشة سبيلًا، أي: بئس الطريق الموصل إلى الزنا طريقًا للآثار السيئة، والنتائج المدمرة التي تترتب عليه، أولها: أذية المؤمنين في أعراضهم، وآخرها: جهنم، والاصطلاء بحرها، والبقاء فيها أحقابًا طويلة....اهـ.

والقاعدة عند الفقهاء أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولم يقولوا: إن الحكم يدور مع حكمته وجودًا وعدمًا، خاصة وأنه إذا انتفت بعض الحكم، فقد تكون هنالك حكم باقية.

والشرائع السماوية، والأذواق السليمة، والفطر المستقيمة، تقضي كلها بقبح الزنا، وسوء عاقبته؛ ولذلك حرمته جميع الشرائع، قال الله تعالى عن مريم عليها السلام وولادتها بعيسى -عليه السلام-: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا {مريم: 28-27}، فجعلوا ذلك أمرًا عظيمًا ومنكرًا.

وكان الزنا قبيحًا عند العرب قبل البعثة، فلم يكن يرتكب الزنا إلا سفلة الناس وأراذلهم، قال ابن القيم في زاد المعاد: البغاء إنما كان على عهدهم في الإماء دون الحرائر؛ ولهذا قالت هند وقت البيعة: أو تزني الحرة. اهـ.

وجاء الإسلام وشدد على حرمته.

والمجتمعات التي أشرت إليها قد انتكست فطرتها، وانقلبت الصورة عندها، فاستحسنت القبيح، واستقبحت الحسن، وصار المنكر عندها معروفًا، والمعروف منكرًا؛ لدرجة أن بعضها قد أجازت قوانينها المثلية الجنسية: زواج الرجل من الرجل، والأنثى من الأنثى، وجعلت بعضها في قوانينها أن يقضي الإنسان على حياته بما أسموه: "الموت الرحيم"، وحقيقته انتحار، يودي بصاحبه إلى جهنم، وبئس القرار، فهل يغير شرع الله لمثل هذه التصورات والأفكار؟!! قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {المؤمنون:71}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني