الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فعل الولد لأمر مباح دون علم والديه

السؤال

هل يكون الابن عاقًّا إذا فعل شيئًا مباحًا دون علم والديه؛ خوفًا من غضبهما؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعلى الابن أن يتجنب كل ما يغضب أبويه؛ فقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ. رواه أحمد، والترمذي، وغيرهما، وصححه الألباني.

وعليه أن يحرص على رضاهما ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فطاعتهما مقدمة على فعل المباح وترك المستحب؛ لأن طاعتهما واجبة، والواجب مقدم على غيره من المباح والمستحب والمكروه.

لكن وجوب تقديم طاعتهما في ترك المباح مقيد بأن يكون لهما غرض صحيح من الأمر بتركه، كما نص عليه طائفة من أهل العلم، قال الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى: ... وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق، لم يلتفت إليه؛ أخذًا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته... وكذا يقال في الانتقال من مذهب إلى مذهب إذا طلب أبوه منه ذلك؛ لأنه لا غرض فيه صحيح، بل هو مجرد حمق، ومع ذلك كله، فليحذر الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارًا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذرًا صحيحًا في الأمر أو النهي، وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذرًا صحيحًا لم تلزمه طاعته...

والحاصل: أن مخالفة الوالد خطيرة جدًّا، فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوز لها عند ذوي الكمال. اهـ منه بتصرف.

ولذلك فإن نهي الوالدين عن فعل المباح تجب طاعتهما فيه، إذا كان النهي لغرض صحيح، وفعل الولد له في هذه الحالة يعتبر عقوقًا.

أما إذا لم يكن للوالدين غرض صحيح في النهي عن المباح؛ فإن فعل الولد له لا يعتبر عقوقًا، ولا حرج عليه في فعله، وخاصة إذا كان بدون علمهما؛ لأنهما إذا لم يعلما بفعله، فلا يخفى أنه لن يترتب عليه إغضابهما.

وعلى كل حال؛ فما دام الفعل مباحًا، ولا يترتب على فعله أو تركه منفعة لهما، أو ضرر عليهما؛ فلا يعتبر فاعله أو تاركه عاقًّا، وسواء في ذلك سبق نهيهما له عنه أم عدمه، أو علمهما بفعل الولد له بعد النهي أو قبله؛ لأن أمرهما أو نهيهما في هذه الحالة لا يلتفت إليه، كما قال الهيتمي.

والحاصل أن فعل الولد لأمر مباح دون علم والديه لأنه يعلم أو يخشى أن يغضبا إذا علما به، فأخفاه عنهما خشية أن يغضبا عليه؛ لا يعتبر فعله عقوقًا، إذا لم يترتب عليه ضرر أو على تركه منفعة لهما؛ فمثلًا لو قدم الولد مساعدة أو خدمة لشخص يكرهه والده، أو يغضب من تقديمها له إذا علم بها؛ فإنه لا حرج على الولد في تقديمها دون علم أبيه، ولا يعد ذلك عقوقًا إذا لم يترتب عليها ضرر، كما بينا في الفتوى رقم: 129353.

وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين التالية أرقامهما: 132806، 255307.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني