الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج على من يصل رحمه القاطعين له بقدر ما لا يلحقه منهم ضرر

السؤال

حفظكم الله.
لي أعمام من جد فقط، جدتي توفيت، وتزوج بأخرى، منذ الزواج وهي في مشاكل مع أبي، وتحمّل أبي أذيتها كثيرا حتى بعد وفاة جدي من سنوات عديدة، وحتى ذلك الحين صار يصلهم رغم أذيتهم الشديدة إلى أن مرضت جدتي، وسافر أعمامي، وأنا وأمي نجلس عندها نخدمها في مرضها، ونظل معها طول الليل، وما كان منها إلا أن كانت تستهزئ بي وبأمي، وأننا فاشلان، ولا نعرف نعمل شيئا إلى جانب أن مجلسها كله غيبة ونميمة في أبي وأخي، وفلان وفلان، فأدركت أننا لابد أن ننسحب بحجة الشغل، فغضب عمي جدا، فوضحنا له أنها لا يعجبها أكلنا ولا تنظيفنا، فما فائدتها إذاً، فأنكر علينا واتهمنا أننا نفتري عليها، ثم جاء عمي من السفر، وطلب مني أن أزورهم أسبوعيا والاتصال يوميا للاطمئنان عليهم.
فعلت ذلك، وأبي أيضا كلما زارهم يشتمونه، أبي لم يعد يتحمل، فقد بلغ سن المعاش، وأصبح مريضا جدا، لم يعد يتحمل، وقطع العلاقة معهم، لكن قال لنا براحتكم لم نقطع العلاقة لصلة الرحم، وظللنا نتحمل لله ونصبر، وكنا نتصل كثيرا، وأزورهم، وكنت كلما زرتهم عادوا لما هم عليه، وكل المجلس غيبة وشتيمة في أبي وأخي لم أتحمل، قطعت الزيارة، وظللت بالاتصال. عمي كرر علي الطلب أن أزورهم رددت عليه وقلت حاضر إن شاء الله، ولم أفعل، غضب جدا، وسبنا أمام العائلة، وقطع العلاقة بيننا، فكرت أن أزورهم وأستسمحهم لم ترض أمي ولا أبي، ماذا نفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت، وكنتم لا تقطعون أعمامكم، ولكن هم الذين قطعوكم، فليس عليكم إثم، لكن ينبغي أن تحرصوا على صلتهم بالقدر الذي لا يلحقكم منه ضرر، ولا تكافئوهم بقطعهم، فهذا أكمل أحوال صلة الرحم، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
وفي مسند أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ذَوِي أَرْحَامٍ، أَصِلُ وَيَقْطَعُونَ، وَأَعْفُو وَيَظْلِمُونَ، وَأُحْسِنُ وَيُسِيئُونَ، أَفَأُكَافِئُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، إِذًا تُتْرَكُونَ جَمِيعًا، وَلَكِنْ خُذْ بِالْفَضْلِ وَصِلْهُمْ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ مَا كُنْتَ عَلَى ذَلِكَ»
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. تسفهم المل : تطعمهم الرماد الحار.
جاء في تحفة الأحوذي: هَذَا مِنْ بَابِ الْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَكَ. اهـ
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 228394.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني