الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المسح على الجورب الذي يَنفُذُ منه الماء

السؤال

اطلعت على الكثير من فتاواكم بخصوص المسح على الجوربين، لكن ثمة شيء لم أفهمه، أرجو أن توضحوه لي. الجورب الذي نلبسه مصنوع غالبًا من القطن، والبوليستر، والنايلون غير الشفاف، وهو منفذ للماء، ويثبت على القدم بنفسه، فهل يجوز المسح على هذا الجورب؟ وهل يجوز المسح على الجوربين دون خلع الحذاء، بأن أمسح على الحذاء وما يظهر من الجوربين من طرف الساق -علمًا أني شافعي المذهب -
أرجو أن يكون السؤال قد اتضح. أفتونا مأجورين -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالمذهب عند الشافعية اشتراط عدم نفوذ الماء في الممسوح عليه، فإن كان ينفذ منه الماء، لم يُمْسَحْ عليه.

قال النووي في المجموع: هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُفِّ صَفِيقًا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ. فِيهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَغَيْرُهُ:

أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ، فَإِنْ كَانَ مَنْسُوجًا بِحَيْثُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ نَفَذَ، لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْفُورَانِيُّ، وَالْمُتَوَلِّي. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ...

وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَإِنْ نَفَذَ الْمَاءُ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ؛ لِوُجُودِ السَّتْرِ ... وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أعلم. اهــ.

وفي تحفة المحتاج: وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً يُصَبُّ عَلَى رِجْلَيْهِ، أَيْ: نُفُوذَهُ. وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُ تِبَاعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، فِي الْأَصَحِّ. اهـ.

فإن كنت مقلدًا للشافعية، فلا تمسح على الجورب الذي يَنفُذُ منه الماء، لو صُبَّ عليه.

ولو لبست هذا النوع من الجوارب، ثم لبست فوقه حذاءً، فلا يخلو الحال من أمرين:

أولهما: أن يكون الحذاء لا يستر محل الفرض، وفي هذه الحال لا يصح المسح عليه أيضًا؛ لأنه لو انفرد لم يجزئ المسح عليه، مع كون الجورب أيضًا لو انفرد لا يجزئ المسح عليه.

قال ابن الرفعة -الشافعي- في الكفاية، عن المسح على الجرموقين: فلو كان كل منهما لو انفرد لا يجوز المسح عليه، فلا يجوز المسح قولًا واحدًا، وكذا لو كان الأعلى لا يمكن المسح عليه، ويمكن على الأسفل... اهـ.

ثانيهما: أن يكون الحذاء يغطي محل الفرض، وفي هذه الحال يجوز المسح على الحذاء، ولو كان الجورب الذي تحته لا يُمْسَحُ عليه لو انفرد.

قال ابن الرفعة: ولو كان الأسفل لو انفرد لا يمكن المسح عليه، والأعلى لو انفرد أمكن المسح عليه، جاز المسح عليه قولًا واحدًا. اهـ.

ولم يشترط الحنابلة عدم نفوذ الماء، قال النجدي في حاشيته على الروض: فلا يشترط كون الخف يمنع نفوذ الماء، ولا كونه معتادًا، فيصح المسح على خف من جلود، أو لبود، أو خشب، أو حديد، أو زجاج لا يصف البشرة، حيث أمكن المشي فيه. اهـ.

وهذا هو المفتى به عندنا، كما في الفتوى رقم: 199499، وانظر أيضًا المفتى به عندنا في المسح على الكندرة، سواء كانت تستر محل الفرض أم لا؟ وذلك في الفتوى رقم: 235645.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني