الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قطع الفريضة طلبًا للخروج من الخلاف

السؤال

لست طالب علم، ولا مقلدًا، وآخذ بالأحوط في المسائل الخلافية. وجدت نفسي أصلي وقد خلعت جواربي التي مسحت عليها، فهل ما درجت عليه من الأخذ بالأحوط يسوغ ترك الصلاة للذهاب للوضوء؟ وماذا لو كنت مقلدًا لمن يرجح الوضوء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالخروج من صلاة الفريضة بعد الشروع فيها، يجوز لمسوغ شرعي، جاء في الموسوعة: أَمَّا قَطْعُهَا بِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَمَشْرُوعٌ، فَتُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِقَتْل حَيَّةٍ، وَنَحْوِهَا؛ لِلأْمْرِ بِقَتْلِهَا، وَخَوْفِ ضَيَاعِ مَالٍ لَهُ قِيمَةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ، وَتَنْبِيهِ غَافِلٍ أَوْ نَائِمٍ قَصَدَتْ إِلَيْهِ نَحْوَ حَيَّةٍ، وَلاَ يُمْكِنُ تَنْبِيهُهُ بِتَسْبِيحٍ... اهـــ.

وخلع الخفين أو الجوربين بعد المسح عليهما مبطل للوضوء عند جمع من الفقهاء، جاء في الموسوعة الفقهية: وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ إِذَا خَلَعَ خُفَّيْهِ قَبْل انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، بَطَل وُضُوءُهُ، وَبِهِ قَال النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. اهـ.

فإذا كنت مقلدًا لهؤلاء، فإنك تقطع الصلاة، وتعيد الوضوء، ولا شك أن هذا مسوغ شرعي؛ إذ كيف تُتِمُّ صلاةً أنت تقلد من يرى عدم صحتها؟!

ولا حرج أيضًا في الخروج من الصلاة احتياطًا مراعاةً لقول من يرى بطلانها، ولو لم تكن مقلدًا له، وقد نص الفقهاء في مسائل كثيرة على مشروعية قطع الفريضة؛ طلبًا للخروج من الخلاف، كما في مسألة مَنْ شرع في صلاة الفريضة متيممًا، ثم وجد الماء وهو فيها، هل له الخروج منها ليتوضأ؟

قال النووي في المجموع: إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا، فَهَلْ يُبَاحُ الْخُرُوجُ مِنْهَا أَمْ يُسْتَحَبُّ أَمْ يَحْرُمُ فِيهِ أَوْجُهٌ: الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَالْوُضُوءُ؛ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلَانِهَا، وَكَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَلَاةِ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا لِلدُّخُولِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَكَمَا نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلا تُبْطِلُوا اعمالكم).

وَالثَّالِثُ: يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا؛ لِلْآيَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ .. اهـ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني