الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رتبة ومعنى حديث: "المؤمن يأكل في معي .."

السؤال

ما صحة الحديث: "المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء"، وما معناه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه كما في البخاري عن أبي هريرة: أن رجلاً كان يأكل كثيراً فأسلم فكان يأكل أكلاً قليلاً، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن المؤمن يأكل في مِعيٍ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء. وقد اختلف أهل العلم في معنى الحديث ومرد أقوالهم فيه ترجع في مجملها إلى الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها، ولعل من المفيد أن نذكر لك بعض أقوال أهل العلم في معنى الحديث. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: واختلف في معنى الحديث فقيل: ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها، فكان المؤمن لتقلله في الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوصية الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء. وقيل: إن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام ولا يتقيد بالحلال، والحلال أقل من الحرم. وقيل: المراد حض المؤمن على قلة الأكل، فإذا علم أن كثرة الأكل من صفات الكافرين، فإن نفس المؤمن تنفر من صفات الكافر، ومن المعلوم أن من صفات الكافرين الإكثار من الملذات ومتع الدنيا، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12]. وقيل: إن الحديث ورد في شخص بعينه واللام فيه عهدية لا جنسية، ولا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن وعكسه، وكم من كافر أسلم ولم يتغير مقدار أكله، والحديث ورد في رجل بعينه، قاله ابن عبد البر. وقيل: الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة لذاتها، ولكن المراد منها المبالغة، والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لانشغاله بأسباب العبادة، ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة، ولخشيته أيضاً من حساب ما زاد عن الحاجة، والكافر بخلاف ذلك... فصار أكل المؤمن إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيراً... وفي الكافرين من يأكل قليلاً، والمقصود أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر، فإذا وجد مؤمن أو كافر على خلاف هذا الوصف فلا يقدح في الحديث. وقيل: المراد بالمؤمن هنا الكامل الإيمان لانشغال فكره في ما خلق له وفي الموت وما بعد الموت، وقد رد بعض أهل العلم هذا القول وذكر أن غير واحد من السلف الأفاضل كان يأكل كثيراً، فلم يكن ذلك نقصاً في إيمانهم. وقيل: المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل والكافر بعكس ذلك. وقيل: المراد بالسبعة في الكافر صفات هي: الحرص، والشره، وطول الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وبالواحد في المؤمن سد خلته. وقيل: شهوات الطعام سبع، شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع. وقيل: إن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس، والشهوة، والحاجة. انتهى ملخصاً من الفتح. وخلاصة هذه الأقوال أنها ترجع في معظمها إلى الحث على التقلل من الأكل والاقتناع بما تيسر من الحلال في هذه الدنيا. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني