الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دفع الزكاة عن الغارم بغير إذنه

السؤال

نسأل الله أن يحفظكم ويسدد خطاكم، ويوفقكم لما يحبه الله ويرضاه.
عندنا سؤال هو: أعطينا لرجل الأعمال نقودا لكي يتاجر بعقد المضاربة، واتفقنا أن الصفقة تنتهي كل ثلاثة أشهر، ثم نتقاسم الربح. واتفقنا كذلك على أن الربح من هذه الصفقة بعد كل ثلاثة أشهر، سيدخل إلى رأس المال للصفقة التالية، لو لم يطلبه صاحب المال، وهكذا كل ثلاثة أشهر. ومرت ٦ سنوات، وهناك من كان يأخذ الربح ومن لا يأخذه.
وبعد ٦ سنوات عندما طلبنا النقود كاملة، اختفى الرجل تماما، وظهر أنه لا توجد عنده نقود، وأنه محتال؛ لأنه في واقع الأمر لم يكن يتاجر بها، بل كان يجمع من الناس نقودا كثيرة، وخدع الجميع، وقيل إنه كان يأخذ نقودا من واحد، ويعطي للآخر على أنه نسبة ربح التجارة.
وهذا الرجل يعترف ويقر أنه مدين للجميع، ولكن مرت تقريبا ١٠ سنوات ولم يعط شيئا من المال، ولا يتكلم واختفى تماما.
والسؤال فيما يلي:
- هل يعتبر هذا الرجل من أصناف أهل الزكاة، كالغارمين أولا؟
- لو اعتبرناه من الغارمين، هل يجوز إخراج الزكاة عنه للمدين له بغير إذنه؟ لأننا لو أعطيناه المال، فالغالب على الظن أنه لن يسدد الديون؟
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنقول أولا: لا يمكننا الحكم على ذلك الرجل هل هو من أهل الزكاة أم لا؟ بناء على تلك المعلومات التي ذكرتها فقط، وذلك أن استحقاقه للزكاة بوصفه غارما، يتطلب التحقق من أمور:

منها: لزوم تلك الأموال له؛ إذ الأصل أن المضارب لا يضمن مال المضاربة، ما لم يفرط أو يتعدَّ.

ومنها: عدم قدرته على ردها لأصحابها، لاحتمال أن تكون تلك الأموال التي كانت بيده ما زالت تحت حوزته، وقد أخفاها وادعى تلفها.

ثانيا: لو فرضنا أن تلك الأموال لازمة له، وأنه عاجز عن ردها لأصحابها، فلا يُجزِئُ أن تُدفع الزكاة لهم بغير إذنه هو.

قال الإمام النووي في المجموع عن سهم الغارمين: وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، إلَّا بِإِذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَلَوْ صُرِفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يُجْزِئْ الدَّافِع عَنْ زَكَاتِهِ ... اهـ.

وفي مغني المحتاج عن تسليم مال الزكاة إلى السيد بغير إذن المكاتب، وإلى صاحب الدين بغير إذن الغارم. قال: وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ لَا يَقَعُ زَكَاةً؛ لِأَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ. اهـ.
ومن كان من أصحاب تلك الأموال فقيرا أو مسكينا، جاز صرف الزكاة له من سهم الفقراء والمساكين؛ لأنه هو نفسه من أهلها، ولكن لا تُدفَعُ له الزكاة من سهم الغارمين نيابة عن ذلك المضارب.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني