الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا يلزم من اكتفى بقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" في الركوع والسجود؟

السؤال

هل يسجد سجود السهو من اكتفى بقول: "سبوح قدوس ..." في الركوع والسجود، ولم يقل: "سبحان ربي ..."؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن اكتفى في الركوع بذكر: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" ولم يقل: "سبحان ربي العظيم" لم يلزمه سجود السهو؛ لأن أصل التسبيح سنة، وليس واجًبا في قول جمهور أهل العلم، ومن تركه عمدًا أو سهوًا لم يلزمه سجود السهو، وهو ما رجحناه في الفتوى رقم: 325846.

وعند الحنابلة لا يجزي إلا لفظ: "سبحان ربي العظيم"، قال ابن مفلح في الفروع: وَيَتَعَيَّنُ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ" ... اهـــ، وقال المرداوي في الإنصاف: .. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ. .. اهـ.

وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: ما حكم من يقول أذكارًا فيها تعظيم وتسبيح دون التخصيص على سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى؟

فأجاب الشيخ: يمكن هذا أخذه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (فعظموا فيه الرب)، ولكن نقول ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو خير، والعدول عما جاءت به السنة في الأذكار لا ينبغي، حتى لو فرض أنه هناك لفظًا يصح أن يعتمد عليه في العموم، كهذا الذي ذكرت: عظموا فيه الرب، فالمحافظة على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى .. فقال السائل: لو ذكر في الركوع أذكارًا واردة لكن ليست فيها لفظ التعظيم مثل: (سبوح قدوس ... )؟ فأجاب الشيخ: فإنه لا يجزئه، لا بد أن يقول: سبحان ربي العظيم؛ لقوله: (عظموا فيه الرب)، لو نسي لقلنا: اسجد للسهو. اهـ.

والذي يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه أن لفظ: "سبوح قدوس ..." يكفي؛ لأنه يصدق عليه أنه تسبيح، فقد قال -رحمه الله تعالى-:
وَالْأَقْوَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّسْبِيحُ إمَّا بِلَفْظِ: "سُبْحَانَ"، وَإِمَّا بِلَفْظِ: "سُبْحَانَك"، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ سَمَّاهَا: "تَسْبِيحًا"، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِيهَا، وَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ "قُرْآنًا"، وَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ الْقِيَامُ. وَسَمَّاهَا: "قِيَامًا"، و"سُجُودًا"، و"رُكُوعًا"، وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ عِلَّةَ ذَلِكَ وَمَحَلَّهُ. وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى؛ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ وسُبْحَانَك وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ}، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد: {سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ}، وَفِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ}، وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوت وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ}، فَهَذِهِ كُلُّهَا تَسْبِيحَاتٌ. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني